الجزائر الآن _تعيش مالي هذه الأيام واحدة من أخطر فصولها في تاريخها، وسط هجمات مسلحة متصاعدة وقرارات عسكرية تكرس هشاشة الدولة .
فالأزمات الأمنية والسياسية بمالي من كل حدب وصوب، حيث باتت البلاد تشهد تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات المسلحة التي تقوض استقرارها، وتضع مستقبلها تحت رحمة المجهول. في ظل استمرار تدهور الأوضاع، اتخذت السلطات العسكرية بقيادة العقيد أسيمي غويتا قرارًا بفرض حظر تجول ليلي في مناطق كايس وديويلا، إشارة واضحة على حجم الخطر الذي بات يتهدد السكان والمؤسسات.
هذه الخطوة تعكس واقعًا مأساويًا يعاني منه الشعب المالي، ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل هذا البلد الذي يبدو أنه يغرق في دوامة من الصراعات والعنف السياسي.
وسط هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال المحوري: إلى أين يقود غويتا مالي؟
■ حظر التجول.. تدبير طارئ يعكس عمق الأزمة الأمنية
فرض حظر التجول الليلي في غرب مالي جاء بعد سلسلة هجمات منسقة استهدفت مواقع عسكرية حيوية في كايس وديويلا، هجمات استغل فيها منفذوها الثغرات الأمنية واستهدفوا القوات المسلحة بشكل مكثف وممنهج.
هذا القرار جاء كرد فعل مباشر على هذه الاعتداءات التي لم تكن الأولى، بل هي نتاج تراكم هجمات متكررة باتت تهدد الأمن القومي المالي بشكل حقيقي .
حظر التجول، الذي يمتد من التاسعة مساءً حتى السادسة صباحًا، يمنع التنقل في هذه المناطق إلا للقوات الأمنية وبعض الحالات الاستثنائية، وهو مؤشر صارخ على انعدام السيطرة الكاملة للدولة على أراضيها، وعلى تفاقم الخطر الذي يتهدد المدنيين بشكل يومي. كما يعكس هذا التدبير هشاشة الدولة وقدرتها المحدودة على حماية مواطنيها من موجة العنف التي تعصف بها .
■ الأزمة الأمنية.. تصاعد مستمر يعمق جراح مالي
لم تكن هجمات كايس وديويلا مفاجئة بقدر ما هي استكمال لمسار مأساوي من التصعيد المسلح الذي تشهده مالي منذ سنوات، حيث انتشرت الجماعات ، المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، في مناطق واسعة من البلاد، مستغلة الفراغ الأمني والسياسي. هذا التوسع لم يقتصر على مالي فقط، بل بات يشكل تهديدًا إقليميًا يطال دول الساحل والبلدان المجاورة .
تتفاقم الأزمة الأمنية وسط ضعف التنسيق بين الأجهزة العسكرية وضعف تجهيزاتها، خصوصًا بعد الانسحاب الجزئي لقوات “فاغنر” الروسية التي كانت تعتبر الدرع الحامي للجيش المالي، الذي يعاني من ضعف كبير سواءً في العنصر البشري المؤهل أو الأسلحة، كما أنّه ابتلي بقيادة أكدت عدم قدرتها على حماية مصالح البلاد.
هذه الظروف تم استغلالها جيدا لتنفيذ عمليات متكررة، استهدفت مواقع عسكرية استراتيجية، ما يؤكد على استمرار تفشي العنف، والافتقار إلى استراتيجية أمنية فعالة .
■ ردود فعل جيران مالي.. السنغال على خط المواجهة
المخاوف الأمنية لم تقتصر على مالي وحدها، بل امتدت لتشمل جيرانها الذين باتوا يخشون تداعيات هذا الانفلات الأمني على استقرار مناطقهم الحدودية.
فالسنغال، على سبيل المثال، قامت بتعزيز تواجدها العسكري على الحدود المشتركة مع مالي، ضمن إجراءات احترازية لمنع تسلل المجموعات المسلحة والجهادية إلى أراضيها .
هذه التحركات تؤشر إلى حالة توتر إقليمي متصاعدة، حيث باتت أزمة مالي تهدد استقرار المنطقة بأسرها. كما أن تدخل الجيران يعكس قلقًا عميقًا من أن تؤدي الفوضى في مالي إلى انتشار العنف وتوسيع رقعة الصراعات المسلحة إلى بلدان أخرى، مما يشكل تحديًا أمنيًا دبلوماسيًا للمنطقة ككل .
■ غويتا وسياسة العزل.. تراجع في الشرعية والتدهور السياسي
على الصعيد السياسي، لا تخلو سياسة أسيمي غويتا من انتقادات لاذعة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فرض نفسه رئيسًا للبلاد بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، مما عزز حالة الانقسام والاحتقان الشعبي والسياسي في مالي.
هذا التمادي في حكم العسكر جعل البلاد عرضة للعزلة الإقليمية والدولية، مع فرض عقوبات اقتصادية وأزمة تمويل خانقة أثرت على حياة السكان .
غياب الحوكمة المدنية والانتقال السياسي السلس دفعا المؤسسات الوطنية إلى وضع هش، وعمقا من أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع، حيث يطالب الشارع بعودة النظام المدني واحترام حقوق الإنسان، بينما تغرق البلاد في دوامة من التوترات والصراعات الداخلية .
■ مالي إلى أين؟ سؤال المصير في ظل فوضى الأمن والسياسة
في ضوء ما سبق، تبدو مالي في مفترق طرق حرج بين الاستمرار في سياسات العسكر بقيادة غويتا، التي تعمق الأزمات وتزيد من الفوضى، أو فتح الباب لحوار وطني شامل يضع حدًا للعنف ويعيد الشرعية السياسية ويعزز الأمن والاستقرار. فهل تستطيع مالي أن تنهض من كبوتها، أم أنها ستظل أسيرة الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية التي تقودها قيادة عسكرية متمسكة بالسلطة على حساب مستقبل البلاد؟
هذا السؤال يظل مطروحًا بقوة، ومصير مالي مرتبط بإجابته، في ظل تحديات كبيرة تتطلب رؤية واضحة وإرادة سياسية حقيقية للخروج من النفق المظلم.
فبين هشاشة الدولة وتنامي تهديدات الجماعات المسلحة، وبين عزلة سياسية متزايدة، يبقى المستقبل مفتوحًا على كل الاحتمالات، لكن على مالي قيادة حكيمة وشجاعة لتغيير مسارها قبل فوات الأوان .
هل تملك مالي اليوم قادة قادرين على استعادة الأمن والسيادة؟ أم أن عهد غويتا العسكري سيقودها إلى المزيد من الانهيار؟
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: إلى أين يقود غويتا مالي؟