الجزائرالٱن _ خرج وكيل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، المغربي جمال بن عمر، رفقة مجموعة من الفاعلين المدنيين الدوليين، بمبادرة يصفونها بأنها محاولة لإحياء حلم الاتحاد المغاربي، وإعادة وصل ما انقطع بين الجزائر والمغرب. المبادرة التي روّج لها «المركز الدولي لمبادرات الحوار» تتحدث عن إعادة فتح قنوات التواصل وكسر جدار الصمت بين الشعبين.
وتعتمد هذه المبادرة على فكرة خلق «لجنة تفكير إيجابي» تجمع شخصيات مغاربية مستقلة، يكون دورها البحث في أسباب فشل الوحدة المغاربية، وتشخيص العوائق التي حالت دون قيام الاتحاد، مع اقتراح حلول وأوراق سياسات جديدة، وتشجيع الرأي العام الصامت على استعادة صوته لصالح مشروع مغاربي مشترك.
وتؤكد الوثائق المنشورة أن الهدف الأساسي هو إحياء حلم الوحدة الذي تصفه بـ«الحيّ رغم جراح السياسة»، مشيرة إلى أن الخلافات ظلت حبيسة الأنظمة، ولم تتسرب إلى عمق الشعوب، رغم حملات الكراهية الإعلامية وخطابات التصعيد.
■ التصور الوردي.. وتجاهل أصل الأزمة
لكن قراءة متأنية لهذه المبادرة تكشف سريعًا أنها تقدم الوصفة ذاتها التي سبق اختبارها لعقود من دون نتيجة. فالمشكل لم يكن يومًا في غياب منصات التفكير ولا في صمت المجتمعات المدنية، بل في حقيقة واحدة واضحة: المغرب هو أصل التعطيل، بتوجهاته التوسعية وسياسته القائمة على تقويض أي محاولة للبناء الجماعي المغاربي.
لقد حوّل المغرب الأمانة العامة للاتحاد المغاربي إلى ذراع دبلوماسي يوظف الطيب البكوش (الأمين العام السابق) وغيره كأبواق لتسويق روايته، حتى أصبحت هذه الهيئة ـ التي أنشئت لتدعم التكامل المغاربي ـ حبيسة تعليمات المخزن وأولوياته.
■ المغرب.. أصل الأزمة المزمنة
لم يعد سرًا أن المغرب هو من قاد جهود تفكيك الحلم المغاربي منذ البداية. فتوقيع اتفاقية التطبيع المشبوهة مع الكيان الصهيوني هي امتداد لتمرد واضح على الحلم المغاربي، بدأ بمحاولة تكريس احتلال للصحراء الغربية وإحياء أطماع توسعية في موريتانيا وحتى في أراضٍ جزائرية حدودية، فقد اختار النظام المغربي أن يكون حجر عثرة أمام كل مشروع وحدوي حقيقي.
ولم يكتف بذلك، بل سمح بأن يتحول إلى بوابة مفتوحة أمام أجندات أجنبية، وصار مركزًا عالميًا لتجارة المخدرات، مصدرًا تهديدات مباشرة لأمن المنطقة واستقرارها. هذه الأسباب مجتمعة دفعت الجزائر إلى اتخاذ قرار قطع العلاقات في 24 أوت 2021، حمايةً لوحدتها وأمن شعبها، ورفضًا لأي محاولات تسلل مشبوهة عبر “المجاملات الدبلوماسية”
■ الطيب البكوش.. ناطق باسم من؟
لا يمكن إغفال دور الأمين العام السابق لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، الذي حوّله المغرب إلى ناطق غير معلن باسمه داخل الاتحاد، مُفرغًا المنظمة من مضمونها الأصلي الذي وُجدت من أجله: تعزيز التعاون العادل والمتوازن بين شعوب المنطقة، لا تغذية الأطماع التوسعية لنظام الرباط.
إن سكوت الاتحاد المغاربي على سياسات المغرب، بل واستعماله كغطاء لتسويق خطاب يبرئ الرباط من كل مسؤولية، شكّل ضربة قاصمة لفكرة الوحدة التي ظلت الجزائر من أكبر المدافعين عنها ميدانيًا.
■ جمال بن عمر.. أداة جديدة أم صوت مستقل؟
رغم أن المبادرة الجديدة يقودها اسم معروف دوليًا مثل جمال بن عمر، الذي طالما أبدى مواقف ناقدة لبعض سياسات المخزن، إلا أن توقيت هذه المبادرة تحديدًا يطرح تساؤلات مشروعة في الأوساط المغاربية: هل تحركت الرباط لدفع بعض الوجوه ذات الثقل الأممي لإعادة تلميع فكرة الاتحاد المغاربي في اللحظة التي بدأ فيها التكتل الثلاثي الجزائر ـ تونس ـ ليبيا يحقق خطوات عملية على الأرض؟
إن نجاح هذا التكتل في ترسيخ تعاون فعلي بعيدًا عن مناورات الرباط قد يكون كافيًا لإثارة قلق المخزن الذي يسعى، بشتى الطرق، لإعادة هندسة المشهد المغاربي وفق مقاساته الخاصة، حتى لو استدعى ذلك الاستعانة بوساطات ناعمة توحي بالحياد. ولهذا يظل من المشروع التساؤل: هل تحولت مبادرة بن عمر، بغير قصد ربما، إلى ورقة احتياطية في يد سياسة باتت مكشوفة؟
■ الاتحاد المغاربي ممكن.. ولكن!
يبقى مشروع الاتحاد المغاربي حلما مشروعا، لكن إعادة بنائه لن تتم عبر مبادرات شكلية تتجاهل أصل الداء. فالمشكلة ليست في غياب منصات «تفكير إيجابي» ولا في نقص أوراق السياسات، بل في نظام جعل من التوسع وافتعال الأزمات هوية سياسية.
لذلك، فإن كل تحرك يُغفل هذه الحقيقة لن يكون سوى محاولة لتلميع صورة من قاد أكبر انتكاسة وحدوية في شمال إفريقيا، على حساب آمال ملايين الشباب في المغرب الكبير.