آخر الأخبار

برلمان الغائبين... قوانين تمرّ بلا نواب !

شارك
بواسطة رفيق شلغوم
مصدر الصورة
الكاتب: رفيق شلغوم

_ مقال رأي

الجزائر الآن _ كان أحد المعلمين في مدرسة نائية يطرق جرس الدخول كل صباح، ثم ينتظر طويلًا دون أن يحضر أحد.

التلاميذ لا يأتون، المدير لا يسأل، والمفتش لا يزور. ومع ذلك، يكتب في دفتر الحضور: “جرى الدرس في موعده”.

مرت الشهور، وكثر الغياب، حتى صار التعليم وهمًا موثّقًا على الورق، لا في الواقع.

شيء من هذا يحدث اليوم داخل المجلس الشعبي الوطني. القوانين تُمرّر، الجلسات تُسجَّل، والمحاضر تُعتمد، لكن الحضور… غائب.

لم يعد غياب النواب عن جلسات المجلس الشعبي الوطني مجرّد سلوك فردي أو ظرفي، بل صار ظاهرة مقلقة تكشف عمق الأزمة التي تعيشها المؤسسة التشريعية.

ففي كل مرة يُعرض فيها مشروع قانون للمصادقة، نكتشف أن “النصاب القانوني” بات عملة نادرة، وأن كثيرًا من القوانين تُمرّر في ظلّ مقاعد شبه فارغة.

ما حدث أمس في جلسة التصويت على تعديل مشروع قانون استغلال الشواطئ، في تكرار لما جرى خلال مشروع قانون تسوية الميزانية، يعكس هذا الخلل.

وبحسب ما نشرته الزميلة الخبر، اليوم الثلاثاء، فقد تم تأجيل الجلسة لساعة، ثم فُعّلت المادة 58 من النظام الداخلي، واستُدعي من حضر، وكأننا أمام مشهد مسرحي يُعاد عرضه كل مرة بصيغة “التصويت بمن حضر”، لا بمن يمثل الأمة.

صحيح أن المادة 58 تتيح هذا السيناريو قانونًا، لكنها كانت حلًا استثنائيًا، لا قاعدةً لتغطية الغياب الجماعي للنواب، ولا مبررًا لتحويل البرلمان إلى غرفة انتظار مهجورة.

مصدر الصورة

الأخطر أن هذا الغياب لا يقتصر على الجلسات العامة، بل زحف إلى عمل اللجان المتخصصة، كما وقع مع اللجنة الثقافية، بحسب ذات المصدر .

■ جدية العمل البرلماني أصبحت قضية مطروحة

فإذا كانت اللجان هي مختبر التشريع، وفضاء النقاش الجاد، فما معنى أن تُؤجَّل اجتماعاتها لعدم حضور النواب؟ وأين نحن من جدية العمل البرلماني الذي يُفترض أن يكون نبض الشارع لا صدى للفراغ؟

لهذا، فإن تفعيل النظام الداخلي للمجلس لم يعد خيارًا بل ضرورة. فالمادة 58، كما غيرها من النصوص، وُضعت لضبط العمل البرلماني، لا لتبرير التسيّب.

ترك هذه المواد حبيسة الأدراج لا يعني سوى القبول بأمر واقع مفروض من طرف نواب يُفترض أن يكونوا قدوة في احترام القانون، لا أول من يتجاوزه.

يجب أن يُفعّل المجلس آلياته الرقابية والتنظيمية لردع الغياب غير المبرّر، ومعاقبة المتخلّفين، تمامًا كما يُحاسَب الوزراء وكل المسؤولين الآخرين عند الإخلال بالتزاماتهم.

فإذا كان ممثلو الشعب غائبين عن قضاياه التشريعية، فبأي حق يسألون الحكومة عن تقصير بعض أعضائها؟

نحن في الجزائر نتوق إلى مؤسسات قوية وشرعية فاعلة، ولذلك لا يمكن القبول ببرلمان يعمل بربع قلب، وبربع مقاعد.

فشرعية التشريع لا تُقاس فقط بنصوص القانون، بل بمستوى الحضور، وروح المسؤولية، والاحترام الفعلي لثقة الشعب.

وكما قال توماس جيفرسون، أحد أبرز المؤسسين للولايات المتحدة :
“إنّ أثمن ما تملكه الأمة هو حقّها في أن تحاسب من يمثلونها.”

الكاتب : رفيق شلغوم ، مؤسس ،ومدير صحيفة “الجزائر الآن” الالكترونية، وكاتب مقال “رأي” بعدد من الصحف العربية

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا