الجزائرالٱن _ في مداخلة قوية خلال مؤتمر “التعارف الإنساني وأثره في إرساء العلاقات وتحقيق التعايش”، الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، شدد مفتي مصر ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، الدكتور نظير محمد عياد، على أن الإسلام يؤسس لبناء علاقات إنسانية راقية تقوم على مبدأ “التعارف” كقيمة دينية وحضارية، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا﴾.
وقال المفتي إن هذا المبدأ يرسخ لفكرة أن البشر من أصل واحد، وأن الاختلاف في اللون واللغة والثقافة يجب أن يكون مدخلًا للتفاهم والتقارب، لا ذريعة للصراع والانقسام. وذكّر الحضور بأن الرسول ﷺ جسّد هذا المبدأ عمليًا في “وثيقة المدينة” ومواثيقه مع نصارى نجران، حيث قدّم للعالم نموذجًا في احترام العقائد والثقافات.
غزة تختصر انهيار الضمير العالمي
وفي حديثه عن تحديات التعايش اليوم، لم يتوانَ مفتي الجمهورية المصرية في التنديد بما يحدث في قطاع غزة من جرائم مروعة يرتكبها الاحتلال الصهيوني، معتبرًا إياها “أبشع صور انتهاك القيم الإنسانية”، وقال: “ما يُرتكب في غزة من قصف وقتل متعمد للنساء والأطفال جرحٌ غائر في ضمير الإنسانية، وسط صمت دولي مشين وتواطؤ لم يعد خافيًا على أحد”.
وذكّر بأن ما يحدث في غزة لا يمس فقط الشعب الفلسطيني، بل يهز كل القيم التي يُفترض أن تحكم العلاقات الإنسانية والدولية.
من التعارف الديني إلى التعارف الحضاري
وأشار المفتي إلى أن أغلب الجهود في العقود الماضية انحصرت في إطار “التعارف الديني”، لكنها لم تتطور بما يكفي لتصل إلى التعارف الحضاري، الذي يحتاج إلى حوار شامل بين الثقافات والأنظمة الاجتماعية، وليس فقط بين الأديان.
وسجّل بإيجابية توقيع “وثيقة الأخوة الإنسانية” بين الأزهر والكنيسة الكاثوليكية، معتبرًا إياها خطوة متقدمة في هذا المسار، داعيًا إلى توسيع هذا النموذج ليشمل مبادرات أكبر تتصدى للعنف والتطرف بكل أشكاله.
المؤسسات الدينية مدعوة للتصدي لخطابات الكراهية
وشدّد الدكتور عياد على أن المؤسسات الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، تتحمل مسؤولية كبرى في الترويج لثقافة التعارف الحضاري والتصدي لخطابات الكراهية والتفوق الثقافي أو الديني، داعيًا إلى إدراج هذا الهدف ضمن محاور عملها الأساسية.
كما أكد أن أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق هذا التعارف الحضاري هو امتلاك أدوات العلم والقوة، بما يسمح بإرساء توازن حقيقي في العلاقات الدولية، ودعم القيادات التي تحمل مشروعا حضاريا عادلاً يخدم شعوبها.
الذكاء الاصطناعي.. بين التدمير والتحرر من الفقر
وفي ختام كلمته، حذّر مفتي الجمهورية من مخاطر الاستخدام المفرط وغير الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، قائلاً إن العالم يشهد توظيف هذه التكنولوجيا في تدمير الإنسان بدلًا من خدمته، داعيًا إلى ضرورة توجيه هذه القدرات نحو محاربة الفقر والمرض والجهل، وإرساء ميثاق أخلاقي عالمي ينظم استعمالها بما يخدم السلام والتعايش.