آخر الأخبار

لماذا تُستهدف الجزائر؟ حملة شيطنة مدروسة ضد صوت مستقل يربك التحالفات

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

ـ تحليل سياسي

الجزائر الآن ـ يثير التركيز الإعلامي غير المسبوق على موقف الجزائر من العدوان الإسرائيلي على إيران أكثر من علامة استفهام، حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بعض وسائل الإعلام إلى استهداف الجزائر تحديدًا، وتجاهل مواقف أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية أعربت عن إدانتها للعدوان ووقوفها إلى جانب طهران.

فمن تركيا إلى الإمارات والسعودية، ومن العراق إلى باكستان، صدرت موجة من الإدانات والدعوات إلى ضبط النفس ووقف التصعيد. لكن اللافت، والمثير للتساؤل، هو التوجيه الإعلامي والسياسي الحاد نحو الجزائر، ومحاولة شيطنة موقفها بطريقة تتسم بالكثير من الخبث والتوظيف.

وفي ظل هذا المشهد الإعلامي المُنتج في “مخابر مختصة”، كما تصفه مصادر سياسية، تبدو الجزائر وكأنها تُدفع عمدًا إلى واجهة الصراع، في حين أن الحقيقة تقول العكس تمامًا. هذا التركيز لا يمكن فصله عن محاولات متكررة لتشويه السياسة الخارجية الجزائرية، التي حافظت على استقلاليتها لعقود، ورفضت الاصطفاف ضمن محاور التطبيع أو الانخراط في أجندات القوى الكبرى.

ومن الناحية التاريخية، لم تكن علاقة الجزائر بإيران علاقة تحالف استراتيجي دائم؛ بل كانت متذبذبة، وشهدت قطيعة كاملة خلال سنوات التسعينيات، حين كانت الجزائر تواجه الإرهاب وحيدة، في وقت كان فيه العديد من “الأشقاء” العرب والمسلمين، وبعض القوى الغربية، يعتبرون الإرهاب في الجزائر مجرد “قضية سياسية داخلية”.

لكن حين تتعرض دولة ذات سيادة مثل إيران لاعتداء مباشر من الكيان المحتل، فإن الموقف الجزائري لا ينبع من تقارب مذهبي أو تحالف عقائدي، بل من ثوابت مبدئية واضحة: دعم سيادة الدول ورفض العدوان والتدخلات الخارجية.

ديبلوماسي عربي رفيع : موقف الجزائر من العدوان على إيران ليس استثناءً

وفي تصريح أدلى به لـ”الجزائر الآن”، قال دبلوماسي عربي رفيع ، مقيم في إحدى العواصم العربية الكبرى، إن موقف الجزائر من العدوان على إيران ليس استثناءً، بل هو امتداد طبيعي لسياسة خارجية متسقة، دعمت على مدى عقود القضايا العادلة، من فلسطين إلى الصحراء الغربية، ورفضت الانخراط في أي تحالفات تشرعن العدوان أو تتواطأ مع الاحتلال.

وأضاف الدبلوماسي: “الجزائر لم تنحرف عن بوصلتها الأخلاقية في دعم قضايا التحرر، ولا تقبل التوظيف السياسي لمواقفها. وكما دعمت الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، فهي ترفض ازدواجية المعايير التي تبرر العدوان على إيران فقط لأنها لا تنتمي إلى محور ‘المسموح’.

وتابع قائلًا: “محاولة شيطنة الجزائر لن تغيّر شيئًا من مواقفها المبدئية، لكنها تكشف حجم التواطؤ مع الظلم، في زمن أصبحت فيه إدانة العدوان تهمة، والصمت عليه فضيلة في نظر البعض”.

استقلالية القرار الجزائري تزعج المحاور

وفي ذات السياق، قال الأستاذ إدريس عطية ، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح لـ”الجزائر الآن”، إن الجزائر تبنّت منذ بداية العدوان الصهيوني على إيران موقفًا مبدئيًا رافضًا للاعتداء، انسجامًا مع مواقفها الثابتة ضد التطبيع ومع دعم القضايا العادلة، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية.

وأوضح أن بعض الأطراف تسعى إلى تصوير هذا الموقف الأخلاقي على أنه تحالف مع إيران، في حين أنه يعكس بوضوح الرؤية المبدئية للسياسة الخارجية الجزائرية، والتي تقوم على رفض التطبيع، وعدم التعاون بأي شكل مع الكيان الصهيوني. وهذا ما يجعلها عرضة لحملات تشويه تقودها جهات إعلامية صهيونية أو منصات داعمة للتطبيع في المنطقة.

وأشار عطية إلى أن ما يميز السياسة الخارجية الجزائرية هو استقلالية قرارها، ورفضها الانضواء تحت أي محور، سواء كان خليجيًا أو إيرانيًا. وهذا ما يزعج أطرافًا اعتادت على سياسة الاصطفاف وتريد فرض رؤيتها على الجميع.

وأضاف: “النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الجزائر مؤخرًا في قضايا إقليمية ودولية، من الملف الفلسطيني إلى الساحل وليبيا، أزعجت الاحتلال الصهيوني وبعض الجهات المتحالفة معه، فدفعوا بوسائلهم الإعلامية للهجوم على الجزائر ومحاولة شيطنتها، لكن الجزائر أكبر من هذه الحملات”.

وختم قائلًا: “الجزائر لا تساند إيران، بل ترفض المبدأ القائم على استباحة سيادة الدول. موقفها نابع من التزامها بمبدأ عدم التدخل، ومن دعمها الثابت لقضايا التحرر، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية”.

الجزائر ليست حليفة لايران …بل خصم دائم للعدوان ومناصرة دائمة للقضايا العادلة

من جهته، اعتبر الخبير في الشؤون السياسية والأمنية بالمنطقة، أحمد ميزاب ، أن الخطاب الإعلامي الموجّه، الذي يسعى لربط الجزائر بدعم إيران في سياق الصراع مع الكيان الصهيوني، يكشف عن حملة مدروسة تهدف إلى التشويش على السياسة الخارجية الجزائرية المستقلة، ومحاولة تطويقها دبلوماسيًا داخل محيطها العربي والإقليمي.

وأوضح ميزاب أن موقف الجزائر واضح وثابت، يقوم على مرجعيتها المبدئية في رفض أي عدوان على سيادة الدول، ورفض الكيان الصهيوني باعتباره مصدر تهديد دائم للأمن الإقليمي. وهو موقف لا يُمكن وصفه بالانحياز لإيران، بل يُمثل استمرارًا لرؤية سياسية تقوم على مناهضة التدخلات الأجنبية، ورفض الاصطفاف داخل محاور تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق منطق القوة والغلبة.

وأشار إلى أن الإعلام المغربي، مدعومًا بمنصات تُدار من خارج المنطقة المغاربية، استثمر هذا التمايز الجزائري، وحرّك أذرعه الإعلامية لتشويه صورة الجزائر، من خلال الربط المتعمّد بينها وبين “محور الممانعة”، ضمن خطاب سلبي يُراد منه عزل الجزائر وتشويه صورتها. فالهدف الحقيقي ليس إيران، وإنما استهداف النموذج الجزائري في سياسته الخارجية، التي ترفض التطبيع، وتُواصل دعمها المبدئي للقضية الفلسطينية دون مساومات.

وأضاف ميزاب أن هذه الحملة الإعلامية الممنهجة ليست وليدة موقف طارئ، بل امتداد لسياق سياسي إقليمي يرفض الاعتراف بوجود دولة عربية ذات سيادة كاملة على قرارها الخارجي، وغير خاضعة لأي وصاية.

واختتم الخبير الجزائري تصريحه بالتأكيد على أن ما يجري لا يندرج ضمن نقاش سياسي مشروع حول المواقف، بل يدخل في إطار “هندسة خطابية ممنهجة”، تهدف إلى خلق صورة مشوّهة للجزائر، وتصويرها كخصم رمزي لكل مشروع تطبيعي، ولكل حالة انبطاح استراتيجي أمام التحالفات الإقليمية الجديدة.

وشدد في النهاية على أن هذا الواقع يفرض على الجزائر أن تعي بأن استقلالية القرار السياسي ليست فقط مصدر قوة واحترام، بل أيضًا سبب مباشر في استهدافها. وعليه، فإن تحصين الجبهة الداخلية إعلاميًا، وتعزيز سردية الدولة على المستوى الإقليمي، بات ضرورة استراتيجية لا تقل أهمية عن أي تموضع دبلوماسي خارجي.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا