آخر الأخبار

سماء الحرب بين طهران وتل أبيب: من فتح الأبواب ومن سكت؟

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ فجر الجمعة 13 من جوان 2025 لم يبدأ بضربة صاروخية من طهران، بل بصاعقة من الداخل. تسلسلت الأخبار بأن منشآت نووية ومراكز تحكم إلكتروني تعرضت لهجمات دقيقة في عمق إيران، لكن المفاجأة لم تكن فقط في حجم الأضرار، بل في مكان الانطلاق. الضربات الصهيونية الأولى لم تأتِ من الطائرات أو من البحر، بل من قلب إيران نفسها. خلايا مدعومة من الموساد، وبعضها نائم منذ سنوات، فعّلت أدوات متقدمة وأطلقت موجة من التخريب من الداخل، مخترقة السيادة من مسافة الصفر.

إلى متى تتواصل الهجمات

لكن هذا، رغم خطورته، لم يكن الجزء الأهم في الحرب الجوية التي تلت. فبعدها بدأت موجة الغارات الصهيونية الجوية الصريحة، التي عبرت الأجواء من فلسطين المحتلة إلى العمق الإيراني، مستهدفة مراكز قيادة، ومخازن صواريخ، وبنى تحتية عسكرية في مدن مثل أصفهان، كرمنشاه، وتبريز. في المقابل، أطلقت إيران صواريخها الباليستية ومتوسطة المدى، إضافة إلى أسراب من الطائرات المسيّرة، نحو قواعد عسكرية صهيونية ومراكز حيوية قرب تل أبيب والنقب.

وهنا يبرز السؤال الجوهري: كيف عبر الطرفان هذه المسافة؟ ومن هي الدول التي سُجل في أجوائها هذا “العبور الصامت”؟

إيران لا تشترك في أي حدود برية مباشرة مع الكيان الصهيوني

من الناحية الجغرافية لا تشترك إيران في أي حدود برية مباشرة مع الكيان الصهيوني، ما يفصل بين الطرفين هو حزام طويل من الدول العربية، أبرزها العراق، سوريا والأردن، ومع إقصاء سوريا فعليا من معادلة من معاداة محور المقاومة، تصبح الأجواء العراقية والأردنية هما الممرين الإجباريين لأي طائرة أو صاروخ من وإلى الطرفين.

الطائرات الصهيونية، وفقًا لمصادر ملاحية وتحقيقات صحفية متقاطعة، عبرت أجواء الأردن والعراق بشكل رئيسي. كانت الرحلات منطلقة من قواعد في النقب، ودخلت من جهة البادية الأردنية، ثم عبرت الأنبار وغرب العراق، لتتخذ مسارات التفافية لتجنب مناطق الرصد النشط. كل ذلك تمّ في صمت رسمي عربي لافت. لم تُسجّل محاولة إنذار، لا من سلاح الجو الأردني، ولا من الدفاع الجوي العراقي الذي بدا وكأنه غير موجود فعليًا.

وحتى حين سقطت بقايا صاروخ قرب مدينة الناصرية في محافظة ذي قار العراقية، لم تُصدر بغداد أي توضيح. الصمت المطبق كان سيد الموقف، وكأنّ أحدًا لم يشاهد، ولم يُبلّغ، أو لم يُسمح له أن يفتح عينه.

في الجهة المقابلة، وعندما ردّت إيران بإطلاق صواريخها، يُطرح السؤال بالمقلوب: كيف عبرت تلك الصواريخ لتصل إلى عمق فلسطين المحتلة؟

بعض الصواريخ، خاصة تلك متوسطة المدى، عبرت مسارات فوق العراق مرورًا بالأردن، واصطفت في السماء نفسها التي مرّت بها الطائرات الصهيونية. الغريب أن هذه الصواريخ لم تُعترض داخل أجواء تلك الدول، ما يعني أن صمت تلك العواصم لم يكن محصورًا في اتجاه واحد. حتى المسيّرات الإيرانية، التي رُصد بعضها في سماء البادية الأردنية، استُهدفت فقط بعد دخولها المجال الفلسطيني، أو عبر اعتراض من الدفاعات الأمريكية الموجودة في قواعد داخل العراق، دون تنسيق يُذكر مع سلطات بغداد أو عمّان.

وبينما كانت هذه المسيرات والصواريخ تجوب الأجواء، كانت سوريا غائبة عن المشهد، ليس لضعف تقني فقط، بل لأنها خرجت فعليًا من التحالف الإيراني بعد سقوط نظام الأسد في 2024. دمشق اليوم لم تعد جزءًا من محور المقاومة. صارت مدينة شبه دولية، ترزح تحت إدارة انتقالية تُشرف عليها واشنطن والأمم المتحدة، ما جعل أجواءها مغلقة في وجه الجميع، حتى طهران.

هذه الحرب الجوية لم تكن إذًا مجرد تبادل صواريخ، بل كانت اختبارًا لسيادة الدول، وانكشافًا للمواقف الحقيقية خلف الحياد الظاهري. فالمجال الجوي ليس مجرّد هواء، بل قرار سيادي. وعندما تُفتح سماءك لطائرة معتدية أو تُغلقها في وجه الردّ، فإنك لست محايدًا، بل شريك صامت في معركةٍ لا تعترف بالصمت.

في النهاية، يخوض الكيان الصهيوني حربه ضد إيران، لكن لم يفعله وحده. طارت على أجنحة دول عربية سكتت أو تواطأت، وردّت إيران عبر نفس السماء التي ظنّ البعض أنها لن تُمسّ. وهكذا، تحولت السماء بين الخليج والمتوسط إلى ممرّ حرب، أوسع من صمت الأنظمة، وأضيق من كرامة الشعوب.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا