الجزائرالٱن _ شهدت أسعار النفط قفزة بنحو 7 في المئة بعد الهجوم الصهيوني الذي استهدف منشآت داخل الأراضي الإيرانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان العلاقة المتوترة بين أمن الطاقة العالمي وخريطة النزاعات الجيوسياسية، خصوصًا في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الأسواق لم تنتظر وقوع خسائر ميدانية مؤكدة في قطاع النفط الإيراني حتى ترتفع الأسعار، بل اكتفت بشبح الحرب ومجرد التهديد باضطراب الإمدادات لتحرّك الأسعار نحو الأعلى.
في تقرير لـ”الجزيرة نت” تم تحليل العوامل الجوهرية التي دفعت بأسعار النفط إلى الارتفاع، رغم عدم تضرر البنية التحتية النفطية لإيران حتى الآن، ونفكك الروابط التي تجعل من منطقة الخليج قلبًا حساسًا لاقتصاد الطاقة العالمي.
هجوم عسكري في قلب “مثلث النار”
الهجوم الصهيوني الذي حمل اسم “عملية الأسد الصاعد” لم يكن مجرد غارة محدودة، بل تضمن استهدافات دقيقة قالت تل أبيب إنها مبنية على معلومات استخباراتية طالت مواقع مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، أبرزها مفاعل نطنز. إيران من جهتها ردت بضربات سميت “الوعد الصادق 3″، استهدفت قواعد وبنى تحتية عسكرية في عمق الأراضي المحتلة.
وبين هذه الضربات المتبادلة، تحوّلت الأسواق العالمية إلى ما يشبه غرفة إنذار مبكر، حيث قفزت أسعار العقود الآجلة للنفط بسبب ما يُعرف بـ”علاوة المخاطر الجيوسياسية”، التي تدخل مباشرة في تسعير النفط كلما توتر الوضع في مناطق الإنتاج والنقل.
إيران.. لاعب رئيسي في سوق النفط العالمي
بحسب أرقام “أوبك”، تضخ إيران يوميًا نحو 3.3 مليون برميل، تُصدّر منها قرابة 2 مليون. وبذلك، تمثل طهران ركيزة أساسية في معادلة المعروض العالمي، وتحديدًا ضمن توازنات منظمة “أوبك+”. ومع اندلاع المواجهات، بدأت المخاوف من أن تختفي هذه الكمية أو جزء كبير منها عن السوق، سواء بسبب العقوبات، أو نتيجة استهداف مباشر للبنية التحتية.
ويشير المحللون إلى أن فقدان إيران لهذه الحصة – حتى مؤقتًا – سيؤدي إلى فراغ يصعب تعويضه سريعًا، خاصة وأن الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى كبار المنتجين مثل السعودية والإمارات قد لا تكون كافية لسد الفجوة دون آثار جانبية على السوق.
مضيق هرمز.. عصب الإمدادات العالمية
أحد أعصاب الطاقة الأكثر حساسية عالميًا هو مضيق هرمز، الذي تمر عبره قرابة 20 بالمئة من تجارة النفط المنقولة بحرًا. ورغم أن الملاحة فيه لم تتوقف، إلا أن تصاعد التوتر في محيطه يزيد من كلفة التأمين والشحن، ويبعث برسائل قلق إلى المستثمرين والمستوردين على حد سواء.
أي اضطراب محتمل في هذا الممر البحري الاستراتيجي، حتى ولو تم احتواؤه، يُترجم مباشرة إلى أسعار أعلى في أسواق النفط، كما يعيد إلى السطح سيناريوهات حصار الطاقة وقطع الإمدادات، التي تخشاها الدول المستهلكة في الغرب وآسيا على حد سواء.
الأسواق تتفاعل مع الخوف قبل الواقع
من المفارقات أن المنشآت النفطية الإيرانية لم تُستهدف مباشرة، وأن الضربة الإسرائيلية ركزت على أهداف نووية وعسكرية، ومع ذلك قفزت الأسعار. وهذا يكشف أن ردود أفعال الأسواق مبنية على “توقعات الخطر” أكثر من الواقع الميداني.
وفقًا لمحللين، فإن مجرد التهديد بتوسع رقعة الصراع، أو إمكانية تعطل الاستثمارات، أو حتى احتمال توجيه ضربات مستقبلية للبنى التحتية النفطية، كافٍ لرفع الأسعار فورًا. ويُضيف بعضهم أن مجرد انسحاب الشركات الأجنبية من مشاريع الطاقة الإيرانية خوفًا من التصعيد، قد يُحدث اختلالًا في المعروض على المدى المتوسط.
أوبك+.. على حافة المقعد
جاء التصعيد في وقت حساس بالنسبة لأوبك+، التي قررت مؤخرًا زيادة متواضعة في الإنتاج، بحدود 41 ألف برميل يوميًا ابتداء من جويلية المقبل. وبينما كانت الأسواق تترقب بقلق زيادة المعروض، فجأة تغيّرت المعادلة مع احتمالية حدوث نقص كبير في الإمدادات بسبب التوتر الإيراني الصهيوني.
وبحسب المحللين، فإن أي خروج إيراني من السوق النفطي – سواء عبر العقوبات أو الحرب – لن يُعوَّض بسهولة، مما يجعل الأسواق أكثر هشاشة، ويدفع الأسعار لمزيد من التقلبات.
الخليج: بين الربح السريع والمخاطر المزمنة
بالنسبة لدول الخليج، فإن ارتفاع أسعار النفط يُعد في ظاهره خبرًا جيدًا يعزز الفوائض المالية، خاصة للسعودية والإمارات والكويت. لكن في العمق، كل تصعيد عسكري في المنطقة يعني احتمال استهداف المنشآت النفطية، أو ارتفاع تكلفة التأمين، أو حتى إحجام المستثمرين الدوليين عن التوسع في اقتصادات ظلت تحاول منذ سنوات فك الارتباط الكلي بالنفط.
وبالتالي، فإن هذه الدول تقف أمام معادلة صعبة: مكاسب مالية على المدى القصير يقابلها قلق استراتيجي على استقرار السوق وسمعة المنطقة كمصدر موثوق للطاقة.
ويؤكد الخبراء أنّ ارتفاع أسعار النفط بعد الضربة الصهيونية لإيران بسبب نقص فعلي في الإمدادات، بل بسبب مشاعر القلق في الأسواق حيال ما قد يأتي. فالخطر الأكبر لا يكمن في القذائف التي أُطلقت، بل في تلك التي قد تُطلق قريبًا.
وتبقى الجغرافيا سيد الموقف، تتحكم في القرارات الاقتصادية وتُعيد رسم منحنيات الأسعار. وأمام كل هذا التوتر، لا يبدو أن الأسواق مستعدة لتلقي ضربة مفاجئة في قلب إمدادات الطاقة، ولا أن العالم يملك رفاهية تجاهل صراع يجري في أكثر مناطق العالم اشتعالًا… ونفطًا.