الجزائرالٱن _ في لحظة فارقة من الوجدان المغاربي، انطلقت قافلة الصمود من الجزائر، ثم تونس، فليبيا، حاملة معها وجعًا مشتركًا وراية واحدة: فلسطين وغزة تحديدًا. وعلى طريق المقاومة، أعادت شعوب المغرب الكبير اكتشاف ذاتها، وتجديد روابطها التاريخية مع القضية المركزية. لكن في الجهة الغربية من الخريطة، ظلّت الرباط صامتة؛ لا قافلة خرجت منها، ولا حتى قارب تضامن رمزي أبحر من سواحلها.
غياب لم يكن عفويًا ولا عابرًا
هذا الغياب لم يكن عفويًا ولا عابرًا، بل يعكس تحولًا بنيويًا في تموضع المغرب الرسمي، الذي انخرط – بوعي أو تبعية – في منظومة الحصار المفروضة على غزة .
من ينسّق مع الاحتلال لا يسير إلى رفح
فمن صافح بلفور العصر، لا يمكنه أن يذرف الدموع على ضحايا وعده المشؤوم. الرباط، التي فتحت أبوابها للموساد، ووقّعت اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الكيان الصهيوني، باتت عاجزة حتى عن التظاهر بالتعاطف مع فلسطين. لم تغب عن القافلة فقط، بل أصبحت في الضفة المعاكسة. من ينسّق مع الاحتلال لا يسير إلى رفح، ومن يراهن على الدعم الصهيوني لا يحمل شارة الكوفية، ولا يرفع علمًا محاصرًا .
تحولت الرباط، للأسف، إلى أبو رغال جديد
الخيانة هنا ليست مفروضة من الخارج، بل نبتت في الداخل. تحولت الرباط، للأسف، إلى أبو رغال جديد، يرشد المعتدي إلى ثغور الأمة، ويفتح له أبواب التقنية والتجسس، ثم يصمت حين تُقصف غزة. لم تعد قلعة، بل ثغرة. لم تعد سندًا، بل خنجرًا. أما الكيان الصهيوني، فلم يعد بحاجة إلى وعد مكتوب في لندن، فقد وجد في بعض العواصم من يترجمه على الأرض، ويمنحه شرعية وهمية باسم “السيادة”، وغطاءً تطبيعيًا باسم “الانفتاح “.
الرباط تدرك أن صوت القافلة سيفضح صفقات التطبيع
بعض المسؤولين في الرباط قد يتذرعون بالجغرافيا، لكن هذه الحجة لا تصمد أمام الواقع. من أراد غزة، وصل. الجزائر فتحت طريقها، تونس استقبلت الركب، وليبيا – رغم جراحها – لم تغلق بواباتها. وحدها الرباط، تاهت في صمتها، لأنها تدرك أن صوت القافلة سيفضح صفقات التطبيع، وأن علم فلسطين في شوارعها يُذكّرها بما تخلّت عنه .
خيار إرادي وفعل سياسي محسوب
إن من يمنع شعبه من التضامن، لا يمكنه أن يمنع التاريخ من إصدار حكمه. الرباط لم تكن غائبة فقط، بل كانت متخلية. والفرق بين الغياب والتخلي، أن الأول قد يُعذر لأسباب قاهرة، أما الثاني فخيار إرادي وفعل سياسي محسوب. والتخلّي في زمن الحصار، جريمة أخلاقية لا تُغتفر .
قافلة الصمود فضحت من انحاز إلى معسكر الحصار
قافلة الصمود لم تكشف فقط من يقف مع فلسطين، بل فضحت من انحاز إلى معسكر الحصار. في لحظات الحقيقة، تسقط الأقنعة، ويظهر موقع كل طرف بوضوح. لم يعد الصمت محايدًا، بل صار انحيازًا للخيانة. فحين تُقصف غزة، يصبح التردد تواطؤًا، والحياد خيانة .
وهكذا، اختنقت القدس بين فكيّ أبو رغال الداخل وبلفور الخارج. الأول يفتح الأبواب، والثاني يُحكِم القيود. لم يعد الكيان الصهيوني في حاجة إلى وعد يكتبه له وزير خارجية بريطاني كما فعل بلفور سنة 1917، بل صار هو من يمنح “الوعود” ويُعيد إنتاج المنطق الاستعماري بوجه حديث. إنه بلفور العصر، لا يوزع فلسطين هذه المرة، بل يوزع “شرعية” زائفة على أنظمة عربية مقابل التطبيع، ويوظفها أدوات ضمن مشروعه. وفي غياب الرباط، بقيت العواصم الثلاث: الجزائر وتونس وطرابلس، حارسة لوعد آخر… وعد الحرية.