الجزائر الآن – لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يثير الجدل بتصريحاته وخطواته المثيرة، سواء داخل الولايات المتحدة أو على الساحة الدولية، منذ وصوله إلى البيت الأبيض وتوليه رئاسة أقوى دولة في العالم.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات جديدة نقلتها وكالة رويترز اليوم الأربعاء بشأن العلاقات مع الصين، لتفتح باب التأويل حول بداية نهاية الأزمة التجارية بين البلدين، أو على الأقل بداية “تفاهمات” مع ثاني أقوى اقتصاد في العالم، بعد حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها ترامب منذ اليوم الأول لجلوسه في المكتب البيضاوي.
_ المعادن النادرة: حين تنتصر الحاجة على الشعارات
يرى مراقبون أن الخطاب العدائي الذي تبناه ترامب تجاه الصين لم يصمد طويلا أمام واقع السوق الأمريكية واحتياجاتها. فقد اضطر الرئيس الأمريكي إلى التراجع عن قرارات اتخذها دون دراسة وافية، كما يقول منتقدوه، وذلك بعد الإعلان عن اتفاق مع الصين لاستيراد المعادن النادرة .
وبحسب خبراء تحدثت إليهم صحيفة” الجزائر الآن ” الالكتونية ، فإن هذه المعادن ليست مجرد مواد خام، بل تعد عناصر حيوية في صناعة الأسلحة، الأقمار الصناعية، والتكنولوجيا المتقدمة .
لذا، لم يكن أمام ترامب سوى التراجع عن مواقفه غير المدروسة، نظرا لأهمية هذه المواد في الصناعات الاستراتيجية الأمريكية، خاصة تلك المرتبطة بالتفوق التكنولوجي.
ويعتقد المراقبون أن ترامب أخطأ في حساباته، واضطر إلى إعادة النظر فيها من زاوية “الأمن الصناعي” للولايات المتحدة، قبل أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية تتعلق بالصين.
_ الرسوم الجمركية: انتصار إعلامي أم سياسة اقتصادية أم ماذا ؟
وفي ما نقلته رويترز أيضا، صرّح ترامب بأن بلاده ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 55% مقابل 10% فقط من جانب الصين. هذا التصريح صور إعلاميا كإنجاز تفاوضي كبير.
لكن محللين يرون أن سياسة ترامب التجارية كثيرا ما اعتمدت على “الإثارة” أكثر من النتائج الملموسة. فالأرقام التي يعلنها قد تعيد ترتيب ميزان التبادل التجاري، لكنها لا تضمن تفوقا اقتصاديا حقيقيا على الصين، التي تواصل التقدم بثبات نحو منافسة واشنطن وربما إزاحتها من قيادة الاقتصاد العالمي خلال العقد القادم.
_ بوابة الجامعات: عندما تسقط المصالح جدران المنع
رغم تصريح ترامب بأنه سيسمح للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأمريكية، في تراجع واضح عن قرار سابق، فإن متابعين للشأن الأمريكي يرون أن هذا التراجع جاء نتيجة ضغوط من الجامعات والنخب الأكاديمية داخل الولايات المتحدة.
فالجامعات الأمريكية تستفيد ماليا وأكاديميا من الطلاب الصينيين، الذين يدفعون رسوما مرتفعة، ويساهمون بفعالية في البحث العلمي، ويعززون المكانة الأكاديمية للولايات المتحدة عالميا.
وقد عبر العديد من الكتاب الأمريكيين البارزين ، مثل “توماس فريدمان” في صحيفة نيويورك تايمز، عن معارضتهم لسياسات ترامب في هذا السياق، معتبرين أن العلاقة المتوازنة مع الصين تخدم البلدين والعالم بأسره.
_ تسلل العقول الصينية أم إنعاش الاقتصاد الأمريكي ؟
ويؤكد خبراء تحدثت إليهم صحيفة” الجزائر الآن” أن تراجع ترامب عن قرار منع الطلاب الصينيين كان مدفوعًا بتكتيك يحاول منع “تسلل العقول” إلى الداخل الأمريكي ثم عودتها إلى الصين محمّلة بالمعرفة التكنولوجية المتطورة. لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب للطلاب الذين يسهمون في إنعاش الاقتصاد المعرفي الأمريكي.
ومع ذلك، يرى هؤلاء الخبراء أن تحقيق هذه المعادلة سيكون بالغ الصعوبة، ليس فقط على ترامب، بل على أي رئيس أمريكي قادم، نظرا لتعقيدات التوازن بين الأمن القومي والمصالح الاقتصادية والعلمية.
_ السؤال المفتوح: صراع أم شراكة استراتيجية قادمة أم ماذا ؟
يبقى السؤال الجوهري الذي لم تتضح إجابته بعد:
هل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ضرورة استراتيجية لا غنى عنها؟
الواضح أن ما يجري هو صراع معلن فوق الطاولة، لكنه في الوقت نفسه مليء بالاتفاقات السرية التي ترسم ملامح النظام العالمي الجديد من تحتها.