آخر الأخبار

كمال داود يُلغي سفره إلى إيطاليا خوفًا من مذكرة توقيف جزائرية

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ يبدو أنّ الكاتب والصحفي الفرانكو جزائري كمال داود، الحائز على الجائزة الفرنسية المشبوهة ” غونكور” عن روايته “حوريات”، بات يعيش وضعًا لا يختلف كثيرًا عن أولئك الذين يلاحقهم القضاء الدولي، ويبحثون عن ممرات آمنة وسط خريطة عالم تميز بين “مجرمنا” و”مجرمهم”.

ففي بيان صادر عن إدارة مهرجان “الميلانيسيانا” الأدبي في إيطاليا، أعلنت الجهة المنظمة أن داود لن يتمكن من الحضور إلى لقاء أدبي كان مقررًا يوم 16 جوان الجاري، بسبب “احتمال تسليمه إلى الجزائر حيث قد يُسجن”، وهي صيغة دبلوماسية تختزل حجم الورطة القانونية والسياسية التي يعيشها الرجل.

هذا الإعلان العلني، من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، يعكس أمرًا خطيرًا: كاتب يحمل جائزة أدبية توصف بالمرموقة، يتجنب السفر خوفًا من مذكرة توقيف محتملة صادرة عن العدالة الجزائرية، بينما لا يملك من الحماية سوى ما تمنحه له فرنسا، البلد الذي لم يُخف يومًا احتضانه الرمزي والسياسي لبعض الأصوات الجزائرية التي تبني مجدها الأدبي والإعلامي على مهاجمة بلدها الأصلي.

قد يبدو التشبيه صادمًا، لكنّه كاشف: نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، والمطلوب بمذكرات توقيف دولية، لا تمر طائرته حتى بأجواء الدول التي وقّعت على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية. يحيطه الدعم الأمريكي والدعم السياسي من دول التطبيع، لكنه يظل مطلوبًا للعدالة الحرة، ومهددًا كلّما غادر حدود المعسكر المتصهين.

كمال داود بدوره لا يستطيع المغادرة إلا في ظل حماية فرنسية. لا مظلّة دبلوماسية تحميه خارج باريس، ولا ضمانات قنصلية في دول أخرى. وكأن الحدود التي يتحرك فيها الكاتب أصبحت مرسومة ليس بالشرعية، بل بالحماية السياسية الفرنسية، التي لا تخفي تورطها في دعم الأقلام التي تهاجم تاريخ الجزائر ومجتمعها، وتبرّر في أحايين كثيرة الاستعمار وتُشيطن المقاومة.

العدالة الجزائرية تُرعب “الروائي الحر!”

السؤال الأهم اليوم ليس لماذا لم يسافر كمال داود إلى إيطاليا، بل لماذا بات مجرد عبور أجواء بعض الدول يشكّل خطرًا عليه؟ إذا كان الكاتب يرى نفسه ضحية لنظام لا يتحمل الرأي المختلف، فليواجه العدالة في بلده كما يفعل كل مواطن. أما أن يُعلي من صوته في باريس، ويختبئ خلف المؤسسات الثقافية الفرنسية، ثم يشتكي من “الملاحقة”، فذلك لا يُقنع حتى مناصريه.

إن الهروب من مواجهة القضاء لا يصنع من صاحبه بطلًا، بل يضعه ضمن دائرة الشبهات. والتخفي وراء الجوائز والعناوين الأدبية لا يُلغي أن القانون في بلده لا يزال يراه مطلوبًا، وربما متورطًا في ملفات لا تتعلق فقط بالرأي، بل بمواقف تمس السيادة والذاكرة الجماعية.

بعيدًا عن لغة الجوائز ودوائر التقديس الثقافي الغربي، لا يمكن فصل ملف كمال داود عن محاولات سابقة للتوظيف السياسي لأسماء جزائرية في معارك فرنسا الرمزية ضد الجزائر. لكن المفارقة اليوم أن هذه “الأسماء” باتت لا تجرؤ حتى على الخروج من عباءة باريس.

كمال داود، الذي بنى شهرته في فرنسا من خلال كتابات تسيء للمجتمع الجزائري وتُجمل الاستعمار الفرنسي، يبدو اليوم حبيس خياراته. هو ليس ملاحقًا لأنه كاتب، بل لأنه اختار أن يكون في صفّ المنصات التي تحرّض على بلاده، وتحتمي بالدعم الأجنبي في مواجهة مؤسساتها.

وإذا كانت طائرة نتنياهو لا تمر بأجواء لاهاي، فطائرة كمال داود لا تهبط إلا في مطارات محكومة بالفيتو الثقافي الفرنسي. الاثنان يختلفان في الدرجة، لكن يتشابهان في الوظيفة: أحدهما يحتمي بالكيان الصهيوني من العدالة الدولية، والآخر يحتمي بفرنسا من القضاء الوطني.

وفي الحالتين، لا يكون الكاتب أو السياسي “حرًا” حقًا، إلا حين يستطيع أن يسير في أرضه دون خوف، ويواجه ما يُنسب إليه دون حماية من الخارج. أما دون ذلك، فالأمر لا يعدو كونه قصة أخرى عن “المنفي بإرادته”، الذي يتحدث عن الحرية، وهو لا يملك حرية الحركة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا