ـ من الناحية الإجرائية، تقارير الأمين العام تُعدّها الأمانة العامة استنادًا إلى معطيات ميدانية وتقارير مستقلة من الوكالات الأممية، ولا تمرّ عبر الدول الأعضاء ، سواء كانت دائمة أو غير دائمة.
الجزائر الآن ـ تظل قضية الصحراء الغربية واحدة من أبرز النزاعات الإقليمية المعقدة في شمال إفريقيا التي تندرج كقضية تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة .
و تُجمع الأمم المتحدة على تحديد أطراف النزاع الرئيسيين، بينما يحاول المغرب توسيع هذه الدائرة لتشمل أطرافًا إضافية بما يخدم رؤيته السياسية الضيقة .
في هذا السياق، يأتي تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير ليؤكد مجددًا موقف المجتمع الدولي، ويرسم خطوطًا واضحة تجاه ضرورة الالتزام بحل سياسي عادل يستند إلى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن .
جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير تأكيد واضح على أن أطراف النزاع في قضية الصحراء الغربية هما اثنان فقط: المغرب وجبهة البوليساريو.
التقرير شدد على ضرورة احترام هذا التحديد، داعيًا الطرفين إلى الانخراط الجدي في مسار سياسي يفضي إلى حل عادل ومستدام، وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبما يحفظ حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
كما أكد التقرير على أهمية التزام الطرفين بضمان حقوق الإنسان، وحث على تسهيل عمل بعثة المينورسو في مراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين .
وفي توجيهاته للمتنازعين، طالب التقرير بالامتناع عن أي أعمال من شأنها تصعيد التوتر، وضرورة التعاون الكامل مع بعثة المينورسو، وضمان حرية التنقل لموظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى العمل على خلق أجواء مناسبة لاستئناف المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، وإيجاد حل نهائي للنزاع يعكس حق تقرير المصير للشعب الصحراوي .
مع ذلك، لم يتقبل المغرب هذه القراءة الأممية التي تحدد المغرب وجبهة البوليساريو كطرفي النزاع الوحيدين، معتبرًا أن الجزائر وموريتانيا جزء لا يتجزأ من هذا النزاع، ليصبح عدد الأطراف أربعة.
ومن خلال هذا التوسع في مفهوم الأطراف، يسعى المغرب إلى تضليل المجتمع الدولي، وإعادة صياغة طبيعة النزاع بعيدًا عن قضيته الأساسية المتعلقة بالتصفية الاستعمارية، ومحاولة إضفاء طابع متعدد الأطراف على القضية التي من المفترض أن تكون نزاعًا بين مستعمر وشعب يسعى لاستقلاله ، وهو ما فشل فيه داخل الهيئة الأممية التي قالت أكدت على أن طرفي النزاع هما : المغرب و البوليساريو لا غير .
ـ ما جاء به ممثل المغرب في هيئة الأمم المتحدة لا يندرج فقط ضمن خانة المغالطات المتعمدة، بل يمثل مساسًا صارخًا بهيبة المنظمة الأممية وخرقًا صريحًا لمبادئها
وفي هذا السياق الذي تيعكس عمق الموقف الوطني الرافض لهذه المزاعم، قالت فاطمة الزهراء زرواطي ، رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر : في تصريحات لصحيفة “ الجزائر الآن ” الالكترونية: “ إن ما جاء به ممثل المغرب في هيئة الأمم المتحدة لا يندرج فقط ضمن خانة المغالطات المتعمدة، بل يمثل مساسًا صارخًا بهيبة المنظمة الأممية وخرقًا صريحًا لمبادئها، خاصة وأن القضية الصحراوية مسجلة لدى الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار ، وهو تصنيف له أبعاده القانونية والتاريخية والسياسية التي لا يمكن إنكارها أو الالتفاف حولها .”
وأضافت زرواطي : “ “ إن الجزائر ، ومنذ نيلها الاستقلال، تبنت هذا المبدأ الأممي العادل، وجعلت من الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ركيزة من ركائز سياستها الخارجية .”
وتابعت : “ لقد دافعت (الجزائر) عن القضية الصحراوية في مختلف المحافل الدولية، متسلحة بالشرعية الدولية وبالمواثيق الأممية التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها .”
وأكدت رئيس حزب امل الجزائر : “ وبصفتها (أي الجزائر) عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، لم تدخر جهدًا في الدفع بالقضايا العادلة إلى الواجهة، وفي مناصرة الحق حيثما وُجد، ما جعلها صوتًا جهوريًا للقضايا العادلة في الجنوب العالمي .”
وأضافت في ختام حديثها : “ وهذا الموقف المبدئي، المتجذر في تاريخ الجزائر النضالي، هو ما يثير حفيظة ممثل المغرب، الذي يسعى بكل الوسائل الملتوية لتزييف الحقائق، ويُسخر إمكاناته الدبلوماسية والإعلامية لترويج رواية مفبركة تخدم أطماع بلاده التوسعية. فهو يوزع “شيكًا أبيض” لكل من يسانده في خرافة “السيادة” على الأراضي الصحراوية، ضاربًا عرض الحائط بالقانون الدولي وبالإجماع الأممي على شرعية كفاح الشعب الصحراوي من أجل نيل استقلاله الكامل .”
من جهته، أوضح المتابع للشأن الأمني والاستراتيجي في المنطقة، أحمد ميزاب ، زيف الادعاءات المغربية ، مؤكدا أنّ “ الاحتجاج المغربي المتكرر على التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، خاصة تلك المتعلقة بوضعية الصحراء الغربية، لا يعكس مجرد تحفظ دبلوماسي عابر، ب ل يكشف عمق التوتر بين السردية الرسمية المغربية وبين الوقائع القانونية والسياسية التي ترصدها الهيئات الأممية .
ـ الإقليم لا يزال مدرجًا ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وأن م بدأ تقرير المصير هو الإطار المرجعي الوحيد المعتمد لدى الأمم المتحدة .”
وأضاف : “ المغرب ، الذي يروّج منذ سنوات لمبادرة الحكم الذاتي كحل “وحيد وجاد”، يجد نفسه محاصرًا أمام تقارير أممية تُذكّر باستمرار بأن الإقليم لا يزال مدرجًا ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وأن م بدأ تقرير المصير هو الإطار المرجعي الوحيد المعتمد لدى الأمم المتحدة .”
وتابع ميزاب في تصريحات لصحيفة “الجزائر الآن” الإكترونية: “في هذا السياق، لا يرفض المغرب صدور التقارير في حدّ ذاتها، بل يعارض محتواها عندما يتعارض مع روايته الرسمية. فكلما تضمّن التقرير إشارات صريحة لانتهاكات حقوق الإنسان، أو دعوة لاستئناف المفاوضات بين الطرفين على أساس قرارات مجلس الأمن، أو تسجيلاً لعراقيل تحول دون قيام بعثة المينورسو أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان بمهامها، يلجأ المغرب إلى الاحتجاج، والتشكيك، أحيانًا في دوافع التقارير ومصادرها .”
وأضاف : “ ما يريده المغرب في العمق ليس تقريرًا محايدًا، بل تقريرًا صامتًا. تقرير يُغفل التوصيف القانوني للوضع في الصحراء الغربية، ويتفادى أي إشارة إلى جبهة البوليساريو كممثل شرعي معترف به دوليًا، ويهمّش كليًا الحديث عن مسؤوليات الاحتلال، ويحصر وظيفة بعثة المينورسو في الجانب التقني المتعلق بوقف إطلاق النار، دون مراقبة أو توصيف للأوضاع الحقوقية والإنسانية .”
وأوضح: “ من هنا يمكن فهم الحملة التي شنها الممثل المغربي في الأمم المتحدة مؤخرًا، حين زعم أن بعض ما ورد في التقرير الأخير للأمين العام جاء بتأثير من الجزائر، بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن. هذه المزاعم، التي تفتقد إلى الحد الأدنى من الدقة المؤسسية، تكشف أزمة خطاب أكثر من كونها مجرد اعتراض تقني .”
وأضاف: “ من الناحية الإجرائية، تقارير الأمين العام تُعدّها الأمانة العامة استنادًا إلى معطيات ميدانية وتقارير مستقلة من الوكالات الأممية، ولا تمرّ عبر الدول الأعضاء ، سواء كانت دائمة أو غير دائمة.
عضوية الجزائر في مجلس الأمن لا تمنحها لا صلاحية تعديل النص، ولا التدخل في مضامينه، ولا حتى الاطلاع عليه قبل توزيعه الرسمي على الأعضاء.
وبالتالي، الإيحاء بأن الجزائر مارست تأثيرًا مباشرًا على محتوى التقرير هو محاولة مكشوفة للهروب من مواجهة الحقيقة الموضوعية التي توثقها الأمم المتحدة على الأرض .
وحسب ميزاب، فإنّ “ المفارقة أن المغرب، الذي يتهم الجزائر بالتأثير، استفاد لعقود من شبكة دعم داخل مجلس الأمن، خاصة من طرف فرنسا والولايات المتحدة، ولم يتردد في استثمار نفوذ هذه الدول للدفع نحو قرارات أقل إدانة وأكثر انسجامًا مع مواقفه. لكنه عندما يجد أن ميزان الخطاب الأممي بدأ يتوازن، حتى نسبيًا، يهرع إلى اتهام الآخرين بالتحكم والتأثير .”
ـ القانون الدولي لا يُبنى على مواقف سياسية عابرة، بل على قرارات أممية واضحة
وأكمل المتابع الاستراتيجي بالمنطقة : “ من جهة أخرى، المغرب يفاخر علنًا بأن بعض الدول الكبرى (كفرنسا والولايات المتحدة) تتبنى مواقفه. لكن هذه المواقف لم تغيّر من الوضع القانوني للملف، ولم تُفلح في شطب الصحراء الغربية من قائمة تصفية الاستعمار.
لم يتمكن المغرب من فرض سيادته قانونيًا رغم الدعم السياسي الذي يتحدث عنه. فلو كان هذا الدعم فعليًا على المستوى القانوني، لتمكن من إغلاق الملف في مجلس الأمن أو فرض شرعية ضم الأراضي. لكنه لم يفعل، ولن يفعل، لأن الواقع القانوني أممي وغير قابل للالتفاف .”
وأضاف في ختام تصريحه : “ المفارقة أن المغرب يتهم الجزائر بالتأثير على الأمم المتحدة، ويتجاهل أنه هو من يستثمر في جماعات الضغط داخل نيويورك وواشنطن، ويغرق المنظمات الأممية بالشكاوى والبيانات، ويستهدف أي صوت محايد يتحدث عن حق تقرير المصير .”
وسأل ميزاب السؤال المحوري : “ لماذا لا تنجح الدول التي “تدعم” المغرب في تغيير الوضع القانوني للملف؟ “
وأجاب قائلاً : “ الجواب بسيط: لأن القانون الدولي لا يُبنى على مواقف سياسية عابرة، بل على قرارات أممية واضحة. وقضية الصحراء الغربية ما تزال مصنفة ضمن قضايا تصفية الاستعمار، رغم كل الضجيج المغربي الدبلوماسي والإعلامي .”
ويأتي التقرير الأخير ليؤكد أنّ موقف الأمم المتحدة واضحً من حيث تحديد أطراف النزاع، وتركيز الحل على حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، مع الالتزام بقرارات مجلس الأمن ومبادئ القانون الدولي. أما محاولات المغرب لتوسيع دائرة الأطراف وخلط الأوراق، فهي تعكس رغبة في التحايل على الشرعية الدولية، وتدفع المجتمع الدولي إلى مزيد من التأمل في جدية الأطراف المختلفة في التوصل إلى حل عادل ومستدام .