آخر الأخبار

الجزائر ورواندا ترسمان ملامح محور إفريقي مستقل

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ تشكل زيارة الرئيس الرواندي بول كاغامي إلى الجزائر، التي تنطلق اليوم، محطة بالغة الأهمية في مسار العلاقات الجزائرية-الرواندية، كما تحمل أبعادًا أوسع تتجاوز الإطار الثنائي لتطال عمق التحولات الجيوسياسية في القارة الإفريقية. فاللقاء بين رئيسي دولتين تختلفان جغرافيًا لكنهما تتقاطعان في الطموح السيادي، يعكس إرادة سياسية لتشكيل محور إفريقي جديد لا يرتهن للإرث الاستعماري الفرنسي، ويسعى إلى بلورة مشاريع تعاون ترتكز على مبدأ الندية والمصلحة المتبادلة.

ما وراء الدبلوماسية التقليدية

الاهتمام غير المسبوق بهذه الزيارة لا يعود فقط إلى طبيعة الضيف، بل إلى رمزية كاغامي ذاته، الذي يُنظر إليه في إفريقيا كرئيس صنع نهضة في بلاده انطلاقًا من ركام الإبادة الجماعية، معتمدًا على نموذج سياسي واقتصادي يرفض التبعية لفرنسا أو لغيرها من القوى التقليدية. الجزائر، من جهتها، تخوض منذ سنوات معركة هادئة لإعادة تموقعها في القارة، مستفيدة من رصيدها التاريخي كداعم لحركات التحرر، ومن تحررها التدريجي من النفوذ الفرنسي، لترسم ملامح سياسة خارجية أكثر استقلالية وفعالية.

في هذا السياق، فإن زيارة كاغامي تندرج ضمن رؤية مشتركة لتقوية العلاقات جنوب-جنوب داخل القارة، وتركيز شراكات أمنية وتنموية خارج العباءة الغربية، وهو ما يعطي للحدث أبعادًا استراتيجية تتجاوز المجاملات البروتوكولية.

أمن، اقتصاد، ووزن إقليمي

التقارب بين الجزائر ورواندا بدأ يأخذ منحى عمليًا منذ زيارة الفريق أول السعيد شنقريحة إلى كيغالي مطلع السنة الجارية، والتي فتحت باب التعاون العسكري بين الجيشين. ذلك التعاون الذي لم يمر دون إثارة حساسية بعض الدول، وعلى رأسها جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي ترى في أي تنسيق مع رواندا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، بالنظر إلى الاتهامات المتبادلة بشأن دعم الجماعات المسلحة في منطقة البحيرات الكبرى.

لكن من وجهة نظر جزائرية، فإن تعزيز العلاقات مع رواندا لا يستهدف أي طرف، بل يأتي في إطار سياسة تنويع الشراكات وتعزيز الأمن الجماعي الإفريقي، خصوصًا في ظل عجز المنظومة الأمنية الدولية عن احتواء النزاعات المستشرية في الساحل والقرن الإفريقي.

في الجانب الاقتصادي، تفتح رواندا(المعروفة بانفتاحها على الابتكار والتكنولوجيا) آفاقًا واعدة للتعاون، خاصة في مجالات التحول الرقمي، الزراعة الذكية، والتكوين المهني، وهي كلها ميادين تندرج ضمن أولويات أجندة التنمية الجزائرية الجديدة.

محور إفريقي خارج الهيمنة الفرنسية

المعطى الأكثر دلالة في هذا التقارب الجزائري-الرواندي يتمثل في تحرّره من الحسابات الفرنسية. ففي وقت ما تزال فيه باريس تحاول استعادة نفوذها المتآكل في مستعمراتها السابقة، تعمل الجزائر ورواندا على بناء تحالفات بديلة ترتكز على الاستقلالية الاستراتيجية، وترفض منطق الوصاية والابتزاز السياسي الذي طبع علاقة فرنسا بالعديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

ليس من المستبعد أن تشكل هذه الزيارة نواة أولى لمحور إفريقي صاعد يضم دولًا مثل الجزائر، رواندا، إثيوبيا، وجنوب إفريقيا، يقوم على قاعدة الأمن المشترك، وتكامل المصالح، ورفض التدخلات الأجنبية. هذا المحور، إن وجد طريقه نحو التشكل، سيُحدث توازنًا جديدًا في إفريقيا، يُقلّص من هامش الهيمنة الفرنسية ويضعف هيمنة المحاور التي تُبنى على أساس الولاءات الخارجية لا المصالح الوطنية.

_ في انتظار التحول إلى مشروع واضح

رغم أهمية الرمزية والدلالات، فإن التحدي الأكبر يبقى في تحويل هذا التقارب إلى مشروع متكامل له رؤية واضحة وأدوات تنفيذ محددة. فالتاريخ الإفريقي حافل بالمبادرات السياسية التي لم تتجاوز حدود التصريحات، بفعل غياب التنسيق المؤسساتي، وضعف الإرادة الجيوسياسية الجماعية.

غير أن المعطيات الحالية، من الحضور الجزائري المتزايد في ملفات الساحل والمغرب العربي، إلى الديناميكية الدبلوماسية الرواندية في مناطق البحيرات والقرن الإفريقي، تؤكد أن الأرضية مهيأة لتبلور محور إفريقي جديد، تتقاطع فيه مشاريع التنمية المستقلة مع رؤى الأمن الجماعي، في ظل فراغ متزايد تتركه القوى الغربية المنسحبة أو المتراجعة.

ولهذا يؤكد متابعون أنّ زيارة كاغامي إلى الجزائر ليست مجرد زيارة عمل أو مجاملة دبلوماسية، بل هي مؤشر على بداية اصطفاف جديد داخل القارة الإفريقية. محورٌ محتملٌ لا يراهن على فرنسا ولا يتماهى مع توازنات ما بعد الاستعمار، بل يسعى لرسم معالم استقلال إفريقي حقيقي، في القرار والمصير.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا