الجزائرالٱن _ في مشهدٍ صادم يعكس إلى أي مدى باتت السلطة في المغرب تستسهل القمع وتستبدل الحوار بالمراقبة الجوية، قررت السلطات المغربية اعتماد طائرات “درون” لمراقبة أسطح المنازل خلال عيد الأضحى، لمنع المواطنين من أداء شعيرة الذبح، بذريعة حماية القطيع الوطني.
خطوة غير مسبوقة، لم تشهدها حتى أكثر الأنظمة انغلاقًا، تضع الدولة المغربية أمام مرآة نهج سلطوي يزدري الدين، ويطعن في الخصوصية، ويحوّل البيوت إلى أهداف مراقبة عسكرية!
قطيع الدولة أهم من شعيرة الأمة؟
حجج السلطات المغربية جاهزة ومعلّبة: “الحفاظ على القطيع الوطني”، “الظروف الاستثنائية”، و”أولوية الاقتصاد”. لكن هل يُعقل أن تتحول واحدة من أقدس شعائر المسلمين إلى جرم مراقب جوًا؟ أليس من صلب مسؤولية الدولة أن تضمن شعائر الناس بدل قمعها؟ أم أن القطيع بات أولى من الحقوق، وأغلى من الأضاحي، وأرفع من حرمة المنازل؟
هذه الذريعة البيئية تخفي في جوهرها فشلًا ذريعًا في إدارة أزمة القطيع وتربية الماشية، وهي نتيجة لسنوات من السياسات الريعية واحتكار الأعلاف والفساد في دعم الفلاحين، لا يتحمل المواطن المغربي البسيط وزرها، بل تُحمَّل له عبر إجراءات مهينة لكرامته الدينية والمدنية.
من مراقبة السطوح إلى اقتحام البيوت!
لم تكتف السلطات بمراقبة السطوح عبر “الدرونات”، بل تداولت وسائل إعلام مغربية مشاهد لمداهمات أمنية، واقتحامات لمنازل المواطنين بحجة مصادرة الأكباش، وهي سابقة تُظهر كيف تتعامل الدولة مع المواطن كمتّهم داخل بيته، يُرصد من السماء ويُهاجم على الأرض، لمجرد تمسكه بشعيرة دينية عمرها قرون.
إن هذه الممارسات لا تسيء فقط لصورة المغرب داخليًا، بل تضعه خارجيًا في خانة الدول التي تنتهك أبسط الحريات العقائدية، تمامًا كما تفعل الأنظمة البوليسية التي لا تفرّق بين المجال العام والمجال الخاص، وتشرّع اقتحام البيوت خارج حالات التلبّس الجنائي.
هل المغرب في حالة طوارئ دينية؟
منع بيع الفحم، منع شحذ السكاكين، منع نقل الأغنام، مراقبة السطوح، اقتحام المنازل… أليس هذا إعلانًا غير رسمي لحالة طوارئ دينية؟ ومن يقرر ما يُذبح وما لا يُذبح؟ الدولة أم العقيدة؟ الشعب أم السلطات؟ هذا التغوّل غير المسبوق يفتح الباب أمام تساؤلات مقلقة حول مستقبل ممارسة الشعائر في المغرب، الذي بات يسير بخطى ثابتة نحو علمنة قسرية تفرضها الظروف لا الدساتير.
أضحية الخضوع أم مقاومة الذل؟
ما يجري في كامل المدن المغربية يفتح نقاشًا أوسع حول موقع الدين في الدولة، وحدود تدخل السلطة في تفاصيل العقيدة. فالمواطن المغربي اليوم يُمنع من شراء كبش، يُرصد بطائرة دون طيّار، ويُداهم بيته وكأنّه إرهابي متلبّس بذبح خروف! هذا ليس منعًا بل إذلال منظم، وامتحان صريح لمدى استعداد الناس لقبول تحويل دينهم إلى “ممارسة مشروطة” تحت أعين الأمن.
والأكيد أنّ ما يحدث في المغرب بمناسبة عيد الأضحى ليس مجرد حادث عرضي. إنّه مؤشر خطير على تغوّل الدولة الأمنية، واختلال ميزان الحرية والهوية الدينية في بلد يزعم دستورُه أنه “دولة إسلامية”. استخدام “الدرونات” ضد الشعائر ليس تقنية، بل سياسة. وليس استثناء، بل مشروع مراقبة يُراد له أن يصير قاعدة.
فهل تكون هذه آخر الأضاحي؟ أم أن الشعب المغربي سيفهم أن الأضحية الحقيقية اليوم هي كرامته وحقه في أن يكون حرًّا في دينه، حتى لو على سطح منزله؟