الجزائرالٱن _. استقبال رسمي يسقط دعاية الرباط
لم تكن زيارة الوفد الصحراوي الرفيع إلى نواكشوط، واستقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني له صباح الجمعة، حدثًا عابرًا في أجندة دبلوماسية روتينية، بل تأكيدًا صريحًا، لا لبس فيه، على أن موريتانيا ما تزال تعترف بالجمهورية الصحراوية، وبجبهة البوليساريو ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الصحراوي.
الرسالة التي حملها رئيس المجلس الوطني الصحراوي حم سلاما من الرئيس إبراهيم غالي، وسلّمها إلى الرئيس الغزواني بالقصر الرئاسي، لم تكن بروتوكولًا شكليًا، بل دليلًا حيًا على العلاقات الرسمية المتواصلة بين دولتين كاملتي العضوية في الاتحاد الإفريقي.
والدلالة الأهم في هذا اللقاء، التي لا يمكن للمخزن القفز عليها، هي الحديث عن تعزيز العلاقات الثنائية، وتطوير التعاون والتنسيق المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهذا ما يعني أنّ نواكشوط تتعامل مع الجمهورية الصحراوية كدولة ذات سيادة، وليس كتنظيم أو جماعة كما يحلو لأبواق الاحتلال أن تروج.
كما البرتوكول ونوعية الأسماء التي حضرت اللقاء لا يحصل إلا بين حكومتين تربطهما علاقات دبلوماسية معترف بها، لا بين طرف رسمي وآخر تصفه الرباط بـ”الانفصالي”. والأهم من ذلك، أن الوفد الصحراوي هنّأ موريتانيا على انتخاب الدكتور سيدي ولد التاه رئيسًا لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية، وهو تصرّف سياسي ودبلوماسي طبيعي بين دول ذات سيادة. فهل يحتاج المخزن دليلاً أوضح من هذا ليتوقف عن تسويق الأكاذيب؟
الحضور الرفيع من الطرفين، من ديوان الرئاسة الموريتانية والأمن الخارجي، إلى وزراء وقادة عسكريين صحراويين، يقطع الشك باليقين: موريتانيا لا تكتفي بالحياد كغطاء دبلوماسي، بل تلتزم بمواقف مبدئية لا تتغير، وعلى رأسها الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. أما الحياد الذي يتغنى به إعلام الرباط، فليس إلا محاولة بائسة لطمس حقيقة أن نواكشوط تتعامل مع الجمهورية الصحراوية كدولة قائمة، ذات مؤسسات، ولها تمثيل رسمي يحظى باحترام داخل موريتانيا وخارجها.
منذ سنوات، والآلة الدعائية المغربية تحاول رسم صورة خيالية لعلاقات موريتانيا مع الصحراء الغربية. مرةً تزعم أنها انسحبت من اعترافها بالجمهورية الصحراوية، ومرةً تقول إنها أقرب إلى موقف المغرب، ومراتٍ أخرى تروج لـ”تقارب استراتيجي” مزعوم. لكن في كل مرة تأتي الحقائق من نواكشوط لتسقط هذا الوهم. موريتانيا التي تخلّت عن أطماعها في الصحراء منذ 1979، لا تنظر إلى القضية من زاوية الربح والخسارة، بل من منطلق احترام القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ما جرى في القصر الرئاسي ليس مجرد لقاء دبلوماسي، بل موقف سياسي واضح، ورد غير مباشر على كل من يروّج لمغالطات المخزن. موريتانيا لم تتورط يوماً في دعم الاحتلال، ولن تفعل. وهي حين تلتقي بممثلي الشعب الصحراوي على أعلى مستوى، وتناقش معهم التعاون والتنسيق المشترك، فإنها توجّه رسالة لمن يعنيه الأمر: نحن لا نساوم على القيم، ولا ننتظر منكم دروسًا في الحياد.
أما الأبواق المغربية التي ما تزال تصرّ على اختزال الواقع في مقالات مدفوعة الأجر وتقارير موجهة، فعليها أن تعترف بأن مشروعها الدعائي ينهار عند أول احتكاك بالحقيقة. موريتانيا تتعامل مع البوليساريو كممثل دولة، لا كتنظيم. وتحترم إرادة الشعب الصحراوي، لا أوهام المحتل. ومن يقف على الحياد الحقيقي، لا يضع يده في يد المحتل، ولا يغض الطرف عن جرائمه.