غادرتنا بهدوء ابنة من أغلى بنات الجزائر، ورمز للحرية والانعتاق من نير الإستعمار الفرنسي، وهي “عائشة استقلال”، الابنة البكر لشاعر الثورة الحزائرية المجيدة، مفدي زكرياء.
لم تكن الراحلة التي لم تشغل مناصب أو كانت تحت أضواء الإعلام في حياتها مجرد ابنة شاعر، بل كانت رمزا حيا لزمن النضال، وشاهدة على مرحلة مجيدة من تاريخ الجزائر التي نذرت حياتها للحرية.
اختار الشاعر الفذ مفدي زكرياء لابنته اسما غير مألوف، فسماها “عائشة استقلال”، وهو اسم يختصر حلم شعب بأكمله في نيل حريته. ولأنها ولدت في زمن الاستعمار، سماها والدها تيمنا باستقلال لم يكن قد تحقق بعد، وكأنه أراد أن يكون اسمها بشارة لغد أجمل. وهكذا حملت عائشة اسم الوطن والأمل والكرامة، وكانت في شخصها امتدادا لروح والدها الثائرة.
لم يكن مفدي زكرياء، الذي خلدته الذاكرة الجماعية الجزائرية كصوت للثورة ولسان للشهداء، مجرد شاعر يكتب كلمات قوية ثائرة فحسب، بل كان مناضلا بالقلم، لاسيما وقد أبدع في تأليف النشيد الوطني “قسما بالنازلات الماحقات”، الذي تحول إلى قسم يومي في قلب كل جزائري ورصاصة في قلب فرنسا تتحرك كلما دوى هذا النشيد عاليا في المحافل الدولية، ويضطر كل رئيس فرنسي كان يدخل الجزائر إلى سماعه بمضض.
ولأنها ابنة هذا الرجل العملاق، تستحق اليوم هذه الوقفة منا كإعلام ناضج، ولأنها سليلة شرف الأدب الجزائري وصاحب الكلمة التي كانت أقوى من الرصاصة، ولأنها من نسل رجل زج به الاستعمار الفرنسي في السجن أكثر من مرة بسبب قصائده، لكنه ظل يكتب للوطن من الزنزانة، مؤمنا أن الشعر مقاومة والكلمة سلاح، فإنها تستحق اليوم أن يترحم عليها كل جزائري حر.
تربت “عائشة استقلال” في كنف هذا الإرث الثقيل من المجد والتضحية، فكانت حاملة لتلك الشعلة، حريصة على صون ذكرى والدها، وعلى إبقاء صوته حيا في وجدان الأجيال الجديدة. لم تكن كثيرة الظهور، لكنها كانت قوية الحضور في الأوساط الثقافية والوطنية، تمثل الرمز والذاكرة والتاريخ.
ترحل اليوم عائشة استقلال إلى جوار ربها، في صمت يليق بعظماء التاريخ. وتاركة خلقها ذكرى والد كبير جمع زبدة قصائده في امرأة واحدة، وسماها “عائشة استقلال “.
وسيوارى جثمان الراحلة الثرى، اليوم الثلاثاء في مدينة قصر بني يزقن بغرداية، حيث تجتمع القلوب على وداعها بالدعاء والدموع.
رحم الله السيدة الفاضلة “عائشة استقلال”، وأسكنها فسيح جناته، وجعل ذكراها خالدة في ذاكرة الوطن، ورحم الله والدها الشاعر العملاق، شاعر الثورة المجيدة مفدي زكرياء.