آخر الأخبار

كمال داود... كاتب خسر الوطن ولم يربح فرنسا

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ رغم سنوات من التنكّر لبلده ومهاجمته في المحافل الغربية، يعترف كمال داود، في حوار نُشر مؤخرًا على صفحات صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية (12 ماي 2025)، بحقيقة مُرّة لطالما تجاهلها أو حاول الهروب منها: أنه في نظر الفرنسيين “عربي سيء”. هذا الاعتراف ليس مجرّد موقف عابر، بل صفعة موجعة لكاتب بنى مسيرته على الإساءة لبلاده، والتقرب من دوائر النفوذ الثقافي الفرنسي، ظنًّا منه أن التماهي مع الخطاب الكولونيالي كفيل بضمان القبول والاحتضان.

منذ سنوات، كرّس داود قلمه للطعن في قيم المجتمع الجزائري، للتقليل من شأن ثورته، وللتهكم على الدين واللغة والهوية، مقدمًا نفسه كصوت “عقلاني” داخل فضاء فرنكوفوني يصفق لأي جزائري يتقن جلد الذات. لم يتردّد في الترويج لصورة نمطية مشوّهة عن شعبه، فوصفه بالهمجي، والانغلاقي، والرافض للتنوير. وفي مناسبات عديدة، دافع عن “الحق في الكفر”، ليس كحالة فكرية حرّة، بل كوسيلة للطعن في البنية الثقافية للمجتمع، ثم زاد على ذلك بمقالات حملت بين سطورها استعارات عنصرية موجهة ضد بلاده، جعلته ضيفًا دائمًا في صالونات باريسية ترى في الجزائر مجرد مستعمرة سابقة لم تتعلّم بعد “التحضّر”.

لكن المدهش – والمخزي في آن – أن كل هذا لم يشفع له. ففي ختام مشواره الطويل في الانبطاح، يقول داود بلسانه: “في الجزائر، أنا خائن. وفي فرنسا، أنا عربي سيء”. عبارة تلخّص المصير المحتوم لمن رهن انتماءه الوطني في سوق النفاق الثقافي، واكتشف متأخرًا أن فرنسا لا تفرّق كثيرًا بين “العربي الثائر” و”العربي المطيع”، لأن كليهما يظل في نظرها “عربيًا”.

فرنسا التي سعى داود لنيل رضاها، ما تزال حبيسة نظرة استعمارية قديمة ترى في الجزائري مجرد “مقيم مؤقت”، أو “ناطق بفرنسية مكسّرة” حتى لو كتب لها مقالات ركيكة في “لو بوان” أو “لوموند”. فداود، مثل كثير من الكتّاب المُفرنَسين، ظنّ أن الجوائز والمقابلات والصور على صفحات المجلات ستمنحه هوية جديدة، لكنه نسي أن تاريخ بلاده محفور في الذاكرة الفرنسية كندٍّ، كمقاومة، كدمٍ لم يجف بعد. ولهذا لن يُعامل كمال داود أبدًا كـ”كاتب فرنسي” حقيقي، بل فقط كـ”جزائري صالح للاستخدام المؤقت” في مهاجمة الجزائر.

في وطنه، لا يُخفي داود مرارته من اتهامه بالخيانة، لكنه بدل أن يراجع مواقفه أو يتأمل في أسباب رفض أبناء بلده له، يختار أن يحمّل الشعب عقدة الذنب التاريخية، ويتنكر لدماء الشهداء، ويهاجم القيم التي تربّى عليها هذا الوطن. يصف الوطنيين بالشعبويين، والمتمسكين بالهوية بالمحافظين المتخلّفين، ثم يشكو من أنه لا يُفهم. والواقع أنه مفهوم جدًا، ومفضوح أكثر مما يتصور.

إنّ المأساة التي يعيشها كمال داود ليست في كونه كاتبًا مرفوضًا، بل في كونه كاتبًا اختار أن يُرفض من الجميع: خان الوطن ولم يُقبل في المقابل. خسر جمهوره الطبيعي ولم يُعطِه “الجمهور المستورد” ما يكفي ليشعر بالانتماء. حتى اعترافه الأخير ليس موقفًا نقديًا، بل تأوّه العاجز الذي يُدرك متأخرًا أن الرهان كان خاسرًا من البداية.

في النهاية، يبدو كمال داود كمن أراد أن يُباع في مزاد باريس الثقافي، فرفضه المشترون، ليعود مُهانًا إلى وطنٍ لم يعد يصدّقه أحد. وتبقى عبارته في “لوفيغارو”، أقوى اعتراف صريح بأنّ التمرد على الوطن لا يصنع مجدًا، بل عزلة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا