الجزائرالٱن _ في خطوة تكشف هشاشة الخطاب الأمني للحكومة الفرنسية، عاد وزير الداخلية برونو روتايو إلى نغمة التخويف من “الإسلام السياسي”، بزعم امتلاكه تقريرًا سريًا عن نشاط جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، في محاولة مكشوفة لتأجيج الرأي العام وصرف الأنظار عن الإخفاقات المتراكمة في إدارة الشأن الداخلي.
الوزير الذي لا يتوقف عن مطاردة الخصوم الفكريين قبل الجنائيين، أعلن أن التقرير سيُعرض على مجلس الدفاع برئاسة إيمانويل ماكرون في 21 ماي الجاري، متحدثًا عن “تهديد للجمهورية”، دون تقديم أي معلومات موثقة، أو دلائل ملموسة، مكتفيًا بالإيحاءات والتلميحات التي اعتاد توظيفها كلما احتدت الأزمات الاجتماعية أو انفلت الشارع من قبضة الشرطة.
“تقرير سري”.. وسيناريو قديم
تكرار روتايو لأسطوانة “الإخوان” يعيد إلى الأذهان سلسلة التبريرات التي استخدمتها حكومته خلال السنوات الماضية لتبرير إجراءات استثنائية ضد الجاليات المسلمة، بدءًا من إغلاق الجمعيات والمساجد، وصولًا إلى خنق حرية التعبير بحجة محاربة “الانفصالية”.
لكن ما يثير الريبة هو طبيعة التقرير الذي وصفه بالـ”سري”، وفي الوقت نفسه تعهّد بتسريب بعض تفاصيله لوسائل الإعلام. وهي ازدواجية تعكس الاستخدام السياسي الممنهج للمعلومة الأمنية، لتغذية الهواجس المجتمعية، واستثمارها في تغطية الفشل السياسي والاقتصادي المتفاقم.
الهروب إلى الأمام.. على حساب الجاليات
ما يقوم به روتايو لا يخرج عن كونه هروبًا إلى الأمام، في سياق داخل فرنسي مأزوم، تتزايد فيه معدلات التوتر الاجتماعي، وتتصاعد فيه الاحتجاجات ضد السياسات التقشفية، وعنف الشرطة، والتضييق على الحريات.
فبدل أن ينشغل بتعزيز السلم الاجتماعي، وتفكيك التوتر في الضواحي، يصر وزير الداخلية على شيطنة مكونات من المجتمع، عبر إثارة نظريات “الاختراق الإسلامي” داخل المدارس والنوادي الرياضية، وكأن فرنسا باتت على وشك الانهيار بسبب تلاميذ من أصول مغاربية يمارسون الرياضة أو يتعلمون في معاهد خاصة.
تسليح الأوهام بدلاً من مواجهة الواقع
روتايو الذي يقدم نفسه كحامي “قيم الجمهورية” لا يتردد في انتهاك هذه القيم عندما يتعلق الأمر بمسلمي فرنسا، وهو اليوم يسير على نهج أسلافه من وزراء الداخلية الذين استعملوا فزاعة الإخوان لتمرير قوانين قمعية، لم تستطع حتى الآن أن تضمن الأمن ولا أن تُوقف العنف، بل زادت من عزلة الجاليات وعمّقت الفجوة بين المواطن والدولة.