آخر الأخبار

سلوفينيا... بوابة البلقان إلى أوروبا الوسطى تستقبل الرئيس تبون

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ تكتسي زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى سلوفينيا طابعًا استراتيجيًا يعكس حرص الجزائر على تنويع شراكاتها الدولية، خصوصًا مع دول وسط أوروبا، في سياق عالمي متغير يبحث عن التوازنات الجديدة خارج المحاور التقليدية. وتُعدّ سلوفينيا، رغم صغر مساحتها، من الدول ذات الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة في الفضاء الأوروبي والبلقاني.

دولة حديثة بجذور ضاربة في التاريخ

استقلت سلوفينيا عن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية سنة 1991، لتكون أولى جمهورياتها التي تنفصل بسلام نسبي، وتشق طريقها نحو أوروبا الغربية بخطى ثابتة. انضمت إلى الاتحاد الأوروبي سنة 2004 ثم إلى منطقة الأورو في 2007، ما جعلها إحدى أكثر جمهوريات يوغوسلافيا السابقة اندماجًا في المنظومة الأوروبية.

لكن تاريخها يسبق الدولة الحديثة بكثير؛ فقد كانت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية، ثم شاركت في بناء الهوية اليوغوسلافية المشتركة. ويظل التنوع العرقي والثقافي عنصرًا محوريًا في فهم الشخصية السلوفينية المعاصرة، المتأثرة بتقاطع نفوذ الألمان، والإيطاليين، والجنوب سلافيين.

اقتصاد متنوع وحديث يرتكز على التصدير والتكنولوجيا

رغم قلة الموارد الطبيعية، بنت سلوفينيا اقتصادًا ناجحًا قائمًا على التكنولوجيا، وصناعة قطع السيارات، والصناعات الدوائية، والخدمات اللوجستية، إضافة إلى قطاع السياحة الذي يشهد نموًا مستمرًا، بفضل طبيعتها الجبلية الخلابة ومواقعها التاريخية.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 66 مليار دولار، وهي من الدول التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات الصناعية نحو الاتحاد الأوروبي. وتحتل المرتبة الأولى ضمن دول البلقان من حيث مؤشر التنمية البشرية، ما يعكس تماسك بنيتها الاقتصادية والاجتماعية.

نظام سياسي برلماني وتوازن ديمقراطي

تعتمد سلوفينيا نظامًا ديمقراطيًا برلمانيًا، حيث تتوزع السلطة بين رئيس الجمهورية المنتخب شعبيًا والحكومة المنبثقة عن البرلمان. وقد عرفت تداولًا هادئًا للسلطة خلال العقود الأخيرة، ما منحها صورة دولة مستقرة داخل فضاء كثير الاضطرابات.

كما تحتفظ سلوفينيا بعلاقات دبلوماسية نشطة مع محيطها الأوروبي والبلقاني، وتشارك في عمليات حفظ السلام، ما جعلها عضوًا مقبولًا وموثوقًا داخل الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”.

علاقات سلوفينية – جزائرية قابلة للتطوير

رغم محدودية العلاقات الثنائية في السابق، إلا أنّ الجزائر وسلوفينيا تتقاطعان في عدة ملفات حيوية، أبرزها الطاقة، والتحول البيئي، والتعليم العالي، والتبادل التكنولوجي. وتوفّر زيارة الرئيس تبون فرصة لفتح آفاق تعاون جديدة مع دولة ذات كفاءة صناعية، وبوابة نحو أسواق أوروبا الوسطى.

كما يمكن للجزائر، من خلال سلوفينيا، توسيع حضورها في منطقة البلقان، خاصة مع تنامي الاهتمام الأوروبي بإفريقيا وشمالها في المرحلة الراهنة.

مجتمع متماسك واهتمام بالهوية الثقافية

يشكل السلوفينيون الأغلبية الساحقة من سكان البلاد (أكثر من 83%)، لكن الدولة تعترف بحقوق الأقليات، مثل الإيطاليين والمجريين، وتمنحهم امتيازات لغوية وتعليمية، في إطار احترام التنوع.

وتُعلي الدولة من قيمة الهوية الثقافية واللغة السلوفينية، في مقابل ضغوط العولمة، حيث يشهد القطاع الثقافي دعمًا ملموسًا، يعكس وعيًا بأهمية الثقافة في بناء دولة حديثة ومتجذرة في آن.

زيارة تحمل دلالات متعددة

في ضوء سعي الجزائر إلى تنويع شركائها وتوسيع حضورها في أوروبا، تأتي هذه الزيارة لتعزيز الحوار السياسي والانفتاح الاقتصادي، وبناء جسور التعاون جنوب – شرق – غرب، بعيدًا عن المحاور التقليدية.

إن لقاء الجزائر بسلوفينيا اليوم هو لقاء بين تجربتين ناجحتين في التحرر السياسي وبناء الدولة الحديثة، كلٌّ حسب خصوصياته، ولكنهما يشتركان في الإيمان بالسيادة والتنمية، وبأهمية التعاون المتعدد الأبعاد في عالم يعيد رسم خرائطه.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا