آخر الأخبار

فرانشيسكو أتشيربي... اللاعب الذي هزم السرطان قبل أن يهزم برشلونة

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن الوطني .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ في قلب جوزيبي مياتزا، وفي اللحظة التي كان فيها التاريخ يتهيأ لكتابة نهاية حزينة، انفجرت القدم التي قاومت الموت، وركلت الصمت، وزلزلت الذاكرة. في الثانية الأخيرة، وقف رجل في 37 من العمر، رجل لا يعرف الرحمة، وقف في وجه القدر، لا يحمل سيفًا ولا درعًا، بل سلاحًا واحدًا: الإرادة. فرانشيسكو أتشيربي، ذاك الاسم الذي نفض غبار الموت عن كتفيه، سدد كرة كانت أقرب إلى صرخة حياة منها إلى تسديدة. ارتجف مياتزا، انفجر المدرج، وتساقط الصمت عن شفاه المعلقين. كانت تلك اللحظة، لحظة الحقيقة… حين رفض أتشيربي أن يموت.

الساعة تشير إلى الدقيقة 93. برشلونة يتقدم، والإنتر يتهاوى على حافة الإقصاء. العيون دامعة، والأمل يتبخر. كل شيء كان يشير إلى النهاية. لكن فجأة، من بين الجميع، نهض من كان بالأمس حبيس الألم، ركض، وسدد، لا برأسه كما اعتدنا، بل بقدمه، وكأنه أراد أن يقول إن خطواته لم تكن عبثًا. الكرة مزقت الهواء، عانقت الشباك، وانفجر مياتزا كبركانٍ بعد سبات. هدف التعادل لم يكن مجرد رقم. كان صفعة في وجه المستحيل. وكان بداية لمعجزة إيطالية ختمت بهدف رابع في الوقت الإضافي، وأعادت الإنتر إلى نهائي الأبطال، للمرة السابعة في تاريخه.

لكن ما جرى لم يكن مجرد لحظة كروية. كان تتويجًا ملحميًا لمسيرة رجل صلبته المآسي وغلّفته الجراح. في 2012، رحل والده، فانكسر من الداخل. لجأ إلى الكحول، إلى الظلام، إلى كل ما يخدّر الحقيقة. لعب كمن يسير في جنازته، تدرب كمن ينتظر نهايته، وعاش كما لو أن الحياة انتهت. اعترف لاحقًا دون مواربة: “كنت ألعب فقط لأنني لا أجرؤ على الموت. الكحول كان ملجئي الوحيد”.

ثم نزل البلاء بثقله. سرطان الخصية. تشخيص قاتل. كأن الحياة قالت له: إن كنت تتهرب مني، فسأواجهك. عمليات، علاج كيميائي، سقوط متكرر، وإصرار قاتل على البقاء. وفي لحظة بين اليأس والصحو، زاره والده في حلم. قال له ببساطة: “انهض”. ففعل. لم يتكئ على الألم، بل جعله وقوده. قالها لاحقًا: “السرطان؟ لقد أنقذني… علّمني كيف أعيش”.

فعلًا، عاد أتشيربي. لكنه لم يعد فقط لاعب كرة. عاد رجلًا جديدًا. نفض عنه سموم الإدمان، التحق بقطار الحياة من جديد، وعاد ليصارع. في لاتسيو، ثم في الإنتر، لم يكن مجرد مدافع، بل كان جدارًا من صلب التجربة. ثم جاء “أورو 2020″، ورفع الكأس مع إيطاليا، ليقول للعالم: أنا هنا. لم أمت، ولم أنكسر.

لكن أتشيربي لم يبلغ الذروة بعد. لأن من يعود من حافة الموت لا يرضى بالقليل. ما فعله أمام برشلونة كان ملحمة من لحم ودم. كانت رسالة لكل من غاص في وحل الألم. حين سدد تلك الكرة، لم يكن يركل شباك الخصم، بل ركل كل من ظن أنه انتهى. ركل السرطان، ركل الكحول، ركل الضعف، وقال للدنيا: “أنا لم أُخلق لأُهزم”.

فرانشيسكو أتشيربي ليس مجرد لاعب. هو نشيد صبر، وأغنية وجع، وحكاية انتصار كُتبت بالدموع والعرق والجرأة. إنه الدليل الحي أن السقوط لا يعني النهاية، وأن من قاوم الحياة، يستطيع أن يهزم الموت… وأن يسجل في مرمى برشلونة.

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا