الجزائرالٱن _ عادت إسبانيا للمشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي” بعد خمس سنوات من الغياب، غير أنّ عودتها حملت في طياتها رسائل سياسية دقيقة، إذ فضّلت نشر قواتها في تونس بدل المغرب، في خطوة تؤكد استمرار حالة التوتر الكامن بين مدريد والرباط رغم التصريحات الرسمية التي تتحدث عن تطبيع العلاقات.
مناورات “الأسد الإفريقي”، التي ينظمها سنويًا “أفريكوم”، تعرف هذا العام أكبر مشاركة في تاريخها، بأكثر من عشرة آلاف عسكري من أربعين دولة، من ضمنها سبعة من حلف شمال الأطلسي. وتوزعت التمارين على أربع دول إفريقية هي المغرب وتونس وغانا والسنغال. غير أنّ موقف إسبانيا كان لافتًا، حيث اقتصرت مشاركتها على الأراضي التونسية إلى جانب قوات أمريكية وفرنسية وإيطالية، وتجنبت أي وجود في الأراضي المغربية، كما أكدت صحيفة El Debate الإسبانية.
هذا الغياب الإسباني عن المناورات بالمغرب لا يمكن فصله عن الخلفية السياسية التي تطبع العلاقات بين البلدين منذ أزمة استقبال رئيس الجمهورية العربية الصحراوية إبراهيم غالي للعلاج بمدريد سنة 2021، وما أعقبها من توترات بسبب ملف الهجرة السرية والضغط المغربي بخصوص سبتة ومليلية. وعلى الرغم من محاولات التهدئة الدبلوماسية، إلا أنّ المؤشرات الأمنية والعسكرية تكشف عن استمرار حالة انعدام الثقة، خصوصًا في ظل تسارع وتيرة التسلح المغربي، وما تحمله من تداعيات استراتيجية على موازين القوى الإقليمية.
مصادر إعلامية إسبانية، من بينها صحيفة El Debate، أكدت أنّ مدريد اختارت بعناية مسرح عمليات قواتها، وفضّلت التعاون مع شركائها الأطلسيين في بيئة أكثر “حيادية” مثل تونس، لتفادي الانخراط في تحركات عسكرية قد توظفها الرباط سياسيًا ضمن حساباتها الإقليمية. ويبدو أنّ إسبانيا أرادت من خلال هذه الخطوة إرسال رسالة مزدوجة: تأكيد التزامها بالتعاون العسكري مع حلفائها الغربيين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على مسافة محسوبة من المغرب الذي يتبنى خطابًا تصعيديًا بخصوص قضايا الحدود والملفات التاريخية العالقة.
اختيار تونس كموقع للمشاركة يعكس أيضًا رغبة مدريد في الانخراط في المناورات دون أن تضفي غطاءً إضافيًا على السياسات العسكرية المغربية. فبينما تحتضن المملكة التمارين بمشاركة عدد كبير من الدول، بينها الكيان الصهيوني، تفضل إسبانيا الابتعاد عن أي سيناريو قد يحرجها سياسيًا في الداخل أو يؤثر على علاقاتها الحساسة مع بلدان المنطقة. ويرى متابعون أنّ هذا الموقف الإسباني يعبر عن قلق أوروبي أوسع تجاه الطموحات العسكرية للمغرب، في وقت تتعالى فيه الأصوات داخل الأوساط الأمنية والسياسية الإسبانية للتحذير من التهديدات القادمة من الجنوب.
في ضوء هذه المعطيات، تبدو العلاقات الإسبانية-المغربية مرشحة لمزيد من البرودة، رغم الخطاب الرسمي الذي يسعى إلى تصوير الوضع كأنّه يتجه نحو التحسن. وعلى المدى القريب، قد تواصل مدريد التعبير عن تحفظاتها بشكل غير مباشر عبر خطوات مماثلة، مع مراعاة الحذر الدبلوماسي لتفادي تفجير أزمة جديدة قد تكون كلفتها هذه المرة أكبر من سابقتها.