آخر الأخبار

كمال داود.. حين يتحوّل الدفاع عن الفرنسية إلى نحيب

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ في مقال جديد نشره بمجلة Le Point الفرنسية بتاريخ 17 أفريل 2025، خرج الكاتب الجزائري كمال داود ليذرف دموع الحنين على “الفرنسية المغدورة”، بعدما أعلنت الجزائر، وبشكل رسمي، الانطلاق في تدريس الطب باللغة الإنجليزية بدءًا من الموسم الجامعي 2025/2026.

ولم يكن غريبًا أن يصدر مثل هذا النحيب من كاتب اختار منذ سنوات موقعه في ضفة باريسية، لكنه هذه المرة جاوز حدود الدفاع إلى ما يشبه العويل الأيديولوجي الفاقد لأي منطق علمي أو وطني.

في مقاله الذي حمل عنوان: “الفرنسية خالدة لأنها…”، يحوّل داود اللغة الفرنسية من أداة إلى صنم، ومن إرث استعماري إلى قدَرٍ أبديّ، ويصف قرار الدولة الجزائرية بأنه حلقة في مسلسل “اغتيال الفرنسية”، كما لو أن الأمر يتعلق بجريمة نكراء تستوجب محاكمة جماعية لكل من تسوّل له نفسه استبدال لغة ميتة بلغة العلم والتقدّم.

لكن مهلاً…

من الذي قال إنّ تعليم الطب بالإنجليزية هو “اغتيال”؟

منذ متى كان تحديث الجامعة جريمة؟

من الذي منح الفرنسية حصانة أبدية في ذاكرة شعب عانى من استلاب لغوي دام أكثر من قرن؟

كمال داود، في مقاله، لا يدافع عن اللغة، بل يتشبث بحبل سُرّيّ يربطه بذاكرة المستعمِر. يتهم الدولة الجزائرية بأنّها تحرّكها دوافع “أسلمة” و”رُهاب من الاستعمار”، وينسى – أو يتناسى – أنّ التحوّل نحو الإنجليزية هو خيار أكاديمي علمي اتخذته كبريات الجامعات في العالم، وأنّ كبرى دول إفريقيا الفرانكوفونية بدأت تتحرّر من إرث اللغة البالية لصالح لغة المستقبل.

فرنسا نفسها، التي يذرف عليها داود دموع الحنين، لم تعد قادرة على إقناع أحد بجدوى الفرنسية خارج دوائرها الضيقة، فكيف نحاكم الجزائر لمجرد أنّها قررت خوض تجربة جديدة تتيح لأبنائها الانفتاح على المراجع العلمية العالمية؟ لماذا يُطلب منّا دائمًا أن نظل عبيدًا للغة المستعمر، باسم “الذاكرة المشتركة”؟

كمال داود يقول إنّ محو الفرنسية هو “محو للذاكرة الجزائرية”. هذا منطق مقلوب:

إنّ الاستمرار في التبعية اللغوية هو محو حقيقي للسيادة، بينما التحرر من الفرنسية هو خطوة نحو استعادة الهوية. الجزائر ليست فرنسا، ولن تكون كذلك، ولا يمكن للغة كانت يومًا أداة قمع واستعلاء أن تتحول بقدرة قلم إلى “لغة الفقراء والأرواح”.

ثم من قال إنّ الإنجليزية ليست إنسانية أو كونية؟

كمال داود يتهم تبني الإنجليزية بأنّه محمّل بأجندة “قومية متطرفة”، والحقيقة أنّ ما يطرحه هو قومية فرنكوفونية ضيقة تعيش على أنقاض الماضي وتخاف من الحاضر.

الفرنسية اليوم لم تعد لغة العلم، ولا الطب، ولا التكنولوجيا، ولا الذكاء الاصطناعي. هي بالكاد لغة الإدارة في مستعمرات سابقة، وحتى هذه الدول بدأت تتنصّل منها واحدة تلو الأخرى.

أما حديثه عن الجزائريين في فرنسا، الذين – حسب قوله – سيُجبرون على “قطع صلتهم بالوطن الأم” إذا تخلّت الجزائر عن الفرنسية، فهو اختزال غريب للانتماء الوطني. فهل صار حب الوطن مرهونًا بإجادة لغة باريس؟ هل الوطنية تُقاس بمدى تعلقك بلغة الآخرين؟ هذه أوهام من زمن بائد.

ما قاله داود ليس سوى صدى لبكاء نخب باريسية على انحسار نفوذ لغتها في إفريقيا. الجزائر دولة ذات سيادة، وقرارها بتحديث التعليم العالي لا يحتاج إلى ترخيص من أحد، ولا إلى دروس من كاتب وجد لنفسه مكانًا في حضن الإعلام الفرنسي عبر جلد وطنه.

ولمن لا يعلم، فإنّ خيار التدريس بالإنجليزية هو جزء من استراتيجية وطنية تبنّتها وزارة التعليم العالي، لتأهيل الجامعات الجزائرية للانخراط في الحراك العلمي العالمي، عبر لغة العلم لا لغة الذكرى.

ختامًا، إن الدفاع العاطفي عن الفرنسية في الجزائر اليوم ليس نضالًا ثقافيًا، بل مراوحة في زمن الاستعمار اللغوي. والذين يعارضون هذا التوجه لا يدافعون عن التعدد اللغوي، بل عن بقاء الجزائر في قفصٍ لغويّ صَدِئ.

الفرنسية ليست خالدة… بل ميتة سريريًا خارج حدود باريس، وآن للجزائر أن تكتب مستقبلها بلغات الحياة لا بلغات الحنين إلى زمن الوصاية.

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا