آخر الأخبار

فرنسا… بعد القرار الرسميّ بلباس الجمهورية!!..ماذا بعد ؟

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن الوطني .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

الجزائر الآن _ كلّما ظنّ البعض أن باريس قد بدأت تستوعب تغيّر موازين القوى في علاقتها مع الجزائر، خرجت الدولة الفرنسية بكل مؤسساتها، من الرئاسة إلى أصغر بلدياتها، لتُظهر أن العداء تجاه الجزائر ليس استثناءً ولا سلوكًا فرديًا، بل هو سياسة دولة، تتبنّاها الجمهورية الفرنسية بمختلف تياراتها، يسارًا ويمينًا، رسميين ومثقفين، قضائيين ودبلوماسيين أو هذا على الأقل ما حمله الرد الرئاسي الأخير على قرار الجزائر طرد 12موظف بالسفارة الفرنسية بالجزائر ما يجعل السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة ،ماذا بعد ؟

ما حدث أمس من تصعيد خطير بإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر وطرد 12 موظفًا قنصليًا جزائريًا، هو امتداد لحلقة بدأت قبل أسابيع، وانفجرت بعد قرار الجزائر طرد 12 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا يعملون داخل البعثات الفرنسية بغطاء قنصلي، عقب توقيف فرنسا لموظف قنصلي جزائري دون إحترام القوانين الدولية التي تفرض نفسها في مثل هكذا حالات ،وعلى رأسها الحصانة الديبلوماسية التي يتمتع بها الديبلوماسي الجزائري .

روتايو ليس بريئًا… وبارو يختبئ خلف القضاء

الخارجية الجزائرية حين قررت طرد الموظفين الفرنسيين، لم تتصرف برد فعل عصبي، بل وجّهت أصابع الاتهام مباشرة إلى وزير الداخلية برونو روتايو، بوصفه مسؤولًا سياسيًا عن كل هذا التدهور، وهو الذي أطلق العنان للآلة البيروقراطية والأمنية الفرنسية لاستهداف الجزائريين، بدءًا من التصريحات المستفزة، وصولًا إلى سلوك عدائي ممنهج على الأرض .

لكن الرد الفرنسي لم يكن ناضجًا. فبدل أن تفتح باريس بابًا للمراجعة أو تهدئة التوتر، خرج وزير الخارجية جان نويل بارو ليدافع عن روتايو بذريعة “استقلالية القضاء”، وهو دفاع متهافت، يكشف تناقضًا فاضحًا في الخطاب الفرنسي .

فالحرية القضائية التي يتغنّى بها بارو، تختفي فجأة عندما يتعلق الأمر بأصدقاء فرنسا أو رموز تطبيعها. وفي المقابل، تعود فجأة لتبرير اعتداء على موظف دبلوماسي جزائري. بل الأكثر استفزازًا، أن باريس انتفضت بأكملها حين تم توقيف بوعلام صنصال في الجزائر بعد تصريحاته التي تمسّ وحدة التراب الوطني، وجعلت من ذلك قضية رأي عام، بل قضية سيادة، رغم أن صنصال جزائري أولًا وأخيرًا، وتوقيفه تم على أرضه ووفق قوانين بلاده. فأين هي “الحرية القضائية” التي يتغنى بها الفرنسيون حين يتعلق الأمر باستقلال الجزائر؟

_ موقف ماكرون يدعم اليمين المتطرف

تصريحات بارو وقرار ماكرون لا يُمكن فصلهما عن مواقف سابقة لليمين المتطرف، حيث خرج إريك سيوتي وبرونو لومير وغيرهما مرارًا يتهجمون على الجزائر دون أن يُقابلوا بردع من الدولة الفرنسية. بل إن ماكرون نفسه، الذي يلبس قناع الاعتدال، لم يتردد في إطلاق تصريحات مهينة للتاريخ الجزائري، حين شكّك سابقًا في وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار، وأوحى أن الذاكرة الوطنية مجرّد “رواية رسمية “.

واليوم، جاء تصريح وزير العدل الفرنسي على قناة “أوروبا 1” ليُؤكّد هذا الاصطفاف الرسمي، حين أعلن صراحة أنّ “الفرنسيين ملة واحدة”، مجددًا رفضه تقديم أي اعتذار عن الماضي الاستعماري، ومُعلنًا دعمه الكامل لقرار ماكرون استدعاء السفير، بل ذهب أبعد من ذلك بالمطالبة مجددًا بإلغاء اتفاقيتي 1968 و1994 المنظّمتين للهجرة والتعاون القضائي مع الجزائر .

وما بين ماكرون وخصومه من اليمين المتطرف، تكاد تختفي الفوارق حين يتعلق الأمر بالجزائر. الكل في فرنسا يلتقي حول نقطة واحدة: أن الجزائر المستقلة، الحرة، والواثقة من نفسها، تُربك الحسابات الفرنسية، وتُفقد الجمهورية صوابها.

أزمة أبعد من الدبلوماسية

ما يجري اليوم ليس مجرد خلاف دبلوماسي عابر، بل هو اختبار حقيقي لنوع العلاقة التي تُريدها باريس مع الجزائر. فإذا كانت فرنسا لا تزال تنظر إلى الجزائر كمجال نفوذ، ومجرد تابع ثقافي وسياسي واقتصادي، فعليها أن تدرك أن الزمن تغيّر.

الجزائر، التي تُعيد رسم أولوياتها وتُوسّع شراكاتها خارج الدائرة الفرانكوفونية، لم تعد تُراهن على عطف الإليزي، ولا تسكت على التجاوزات الواضحة والمفضوحة التي قادها في الكثير من الأحيان اليمين المتطرف الفرنسي .

وبدل أن تُراجع باريس سياساتها العدائية التي يقودها في الكثير من الأحيان اليمين المتطرف ، تراها تُمعن في التصعيد، وتفتح جبهات عبثية، وتُعطي الضوء الأخضر لأبواقها الإعلامية لشنّ حملات ضد الدولة الجزائرية، في محاولة لابتزازها أو دفعها إلى التراجع ولحسابات أخرى أصبحت معروفة ومكشوفة .

_ الجزائر تُواجه ولا تُساوم

في مقابل هذه المواقف الفرنسية المتشنّجة، تُواصل الجزائر تعاملها بثقة وسيادة، بعيدًا عن الانفعال أو الخطابات النارية. فالمؤشرات الأخيرة وخاصة بعد بيان الإليزي الأخير ،ترشر أن المعركة اليوم ليست مع شخص أو تيار فرنسي، بل مع منظومة استعمارية قديمة لم تستوعب بعد أنها فقدت قبضتها على مستعمراتها السابقة وتسعى بكل الطرق لي ذراع الجزائر.

لقد أكدت الجزائر، عبر ردّها الدبلوماسي المنضبط، أنها لا تسكت على الإهانة، ولا تتهاون في حماية ممثليها في الخارج. وهي حين تتخذ قرارًا مثل طرد موظفين فرنسيين، فإنها لا تفعل ذلك من باب التصعيد، بل من باب فرض الاحترام المتبادل .

لا جديد في عداء فرنسا… الجديد هو رد الجزائر

فرنسا لم تُخفِ يومًا عداءها، لكنها كانت دومًا تعوّل على ضعف الرد الجزائري أو حرصه على “الحفاظ على العلاقات”. أما اليوم، فالجزائر تقول كلمتها بوضوح: علاقات نعم، ولكن على أساس الندّية والاحترام المتبادل، لا الخنوع والابتزاز .

وإن كانت باريس لا تزال تراهن على نفوذها في بعض دول المنطقة، فإن تعامل الجزائر معها بمنطق السيادة والندية يُشكّل سابقة قد تلهم محيطها الإقليمي، وتفرض على فرنسا إعادة النظر في أسلوبها مع الجزائر.

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا