يعد مبارك الميلي، من أبرز الشخصيات الفكرية الجزائرية في القرن العشرين، وأحد رواد الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وكان أول مؤرخ جزائري يضع منهجا علميا لتوثيق التاريخ الوطني، في وقت كانت فيه فرنسا تعمل على طمس الهوية الجزائرية وتشويه تاريخها.
حياته ونشأته
ولد العلامة مبارك الميلي في بلدة الميلية بولاية جيجل عام 1898، حيث نشأ في بيئة محافظة تشجع على العلم والدين. بدأ تعليمه في الكتاتيب، ثم التحق بالمدرسة العربية الإسلامية في قسنطينة، حيث درس على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس. وقد برز الميلي منذ صغره بذكائه الحاد وشغفه بالعلم، مما أهله ليكون أحد رموز النهضة الفكرية في الجزائر.
إسهاماته في التاريخ والفكر
يعتبر كتابه “تاريخ الجزائر في القديم والحديث” من أهم الأعمال التاريخية الجزائرية، حيث حاول تصحيح المفاهيم التي نشرتها الدعاية الاستعمارية الفرنسية، والتي سعت إلى إنكار وجود الدولة الجزائرية قبل الاحتلال. وقدم الميلي في هذا الكتاب رؤية علمية دقيقة استندت إلى الوثائق والشواهد التاريخية، مما جعله مرجعا أساسيا للأجيال اللاحقة.
لم يكن الميلي مجرد مؤرخ، بل كان أيضا مصلحا اجتماعيا ومدافعا عن الهوية الوطنية. من خلال مقالاته في الصحف وخطبه في المساجد، عمل على توعية الجزائريين بأهمية التمسك بلغتهم ودينهم في مواجهة سياسة “الفرنسة” التي فرضها الاستعمار. ووقف سدا منيعا في وجه الاستعمار الفرنسي الذي حاول تدمير عناصر الهوية الوطنية، على غرار تحويل المساجد إلى كنائس والقضاء على اللغة العربية، فضلا عن تزوير التاريخ من خلال نشر الأفكار التدميرية والمغالطات التي كانت تنشرها فرنسا الاستعمارية، كما كان من أبرز أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وساهم في نشر التعليم العربي الإسلامي وتحرير العقول من الجمود الفكري.
نضاله ضد الاستعمار
رغم أنه لم يكن مناضلا مسلحا، إلا أن فكر الميلي كان سلاحا قويا ضد الاستعمار. فقد كان يدعو إلى الاستقلال الفكري والثقافي كخطوة أولى نحو التحرر السياسي، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تراقبه عن كثب. وكان يؤمن بأن التعليم هو الوسيلة الأقوى لتحرير الشعوب، ولذلك سعى إلى نشره في القرى والمدن رغم المضايقات التي تعرض لها.
إرثه وتأثيره
رحل مبارك الميلي عام 1945، لكنه ترك إرثا فكريا هائلا لا يزال حاضرا في الثقافة الجزائرية. وألهمت أفكاره الكثير من المثقفين والمناضلين الذين واصلوا النضال من أجل استقلال الجزائر، سواء بالسلاح أو بالقلم. واليوم يعدّ الميلي نموذجا للمثقف الوطني الذي سخر حياته لخدمة بلاده، وهو ما يجعل دراسة أفكاره ضرورة لكل من يسعى لفهم التاريخ الجزائري في أبعاده الحقيقية.
@ آلاء عمري