الجزائرالٱن _ تعد هذه الرواية واحدة من أقوى إصدارات العام لدار النشر “بلانيتا”، التي أطلقتها هذا الأسبوع بطبعة أولية بلغت نصف مليون نسخة، تم توزيعها بالتزامن في إسبانيا والولايات المتحدة و18 دولة في أمريكا اللاتينية.
في الوقت الذي أصبحت فيه إسبانيا اليوم بلد استقبال للمهاجرين الفارين من ظروف اجتماعية صعبة في بلدانهم، كان الوضع مختلفًا في الماضي. الكاتبة الأكثر مبيعًا، ماريا دويناس، تعيد تسليط الضوء على أحد أكثر فصول الهجرة الإسبانية نسيانًا، وهو ذلك المتعلق بالإسبان في الجزائر الاستعمارية الفرنسية، وذلك في روايتها السادسة “لعلنا نعود يومًا”.
خلال لقاء مع الصحفيين، أوضحت دويناس أنّ “الجزائر كانت وجهة للعديد من الإسبان الذين فروا من إسبانيا الفقيرة التي كانت تفتقر إلى الفرص المستقبلية”. وأشارت الكاتبة، التي تجاوزت مبيعات كتبها عشرة ملايين نسخة منذ إصدار روايتها الأولى “الزمن بين الخياطات” عام 2009، إلى أنّ “إسبانيا في عشرينيات القرن الماضي كانت ريفية، فقيرة، قاسية، متوحشة، تفتقر إلى الثقافة والتعليم والرقي الفكري والأخلاقي”.
اختارت دويناس مدينة أليكانتي لإطلاق روايتها، حيث كانت إحدى المناطق الرئيسية التي انطلقت منها موجة الهجرة الإسبانية نحو الجزائر، وخاصة من جنوب شرق شبه الجزيرة الإيبيرية.
الهجرة الإسبانية إلى الجزائر
تشير دويناس إلى صعوبة إجراء مقارنات بين الماضي والحاضر، حيث تستقبل إسبانيا اليوم مهاجرين من شمال إفريقيا، لكنها تؤكد أن “الجميع يهرب من ظروف معيشية صعبة بحثًا عن حياة أفضل”. وأضافت: “الهجرة ظاهرة أزلية، وهي معقدة لكل من المهاجرين والمجتمعات المضيفة. قد يكون من الأفضل تنظيمها بطريقة تحقق الفائدة للجميع، لكن ذلك ليس دائمًا ممكنًا”.
يعود الوجود الإسباني في الجزائر إلى القرن السادس عشر، عندما كانت وهران تُعرف في إسبانيا باسم “القصر الصغير”. ومع الاستعمار الفرنسي للجزائر عام 1830، أدى القرب الجغرافي وفرص العمل إلى استقرار عشرات الآلاف من المهاجرين الإسبان هناك.
وفقًا للمؤرخ خوان رامون روكا، الباحث في جامعة أليكانتي ومؤلف كتاب “الإسبان في الجزائر: ذاكرة الهجرة”, والذي ساهم في توثيق رواية دويناس، كان الإسبان يشكلون الأغلبية في وهران، مما دفع فرنسا إلى فرض التجنيس القسري عليهم اعتبارًا من ثمانينيات القرن التاسع عشر خوفًا من مطالبتهم بضم المدينة إلى إسبانيا.
بحلول ثلاثينيات القرن العشرين، وهو العصر الذي تدور فيه أحداث الرواية، كان 47% من الفرنسيين في الجزائر، أي حوالي 125 ألف شخص، من أصول إسبانية، بالإضافة إلى 70 ألفًا آخرين احتفظوا بجنسيتهم الإسبانية.
شخصيات وأحداث تاريخية في الرواية
كان المهاجرون الإسبان في الجزائر يعملون في الزراعة، وفي وهران تحديدًا كانوا ينشطون في قطاعات الخدمات، والصناعة، والتجارة، والبناء، كما كان هناك رجال أعمال بارزون مثل صانع التبغ باستوس، ومنتجي مشروب الأنيس غاليانا، وصاحب الفندق الفاخر لو مارتينيز.
كما تظهر في الرواية إشارة عابرة إلى شخصية خوان مارش، ودوره في تهريب التبغ بين الجزائر وإسبانيا.
تمتد أحداث الرواية على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، من عام 1927 حتى استقلال الجزائر عام 1962، وتدور حول سيليا، وهي امرأة تُجبر على الفرار من إسبانيا إثر حادثة عنيفة. خلال رحلتها، تواجه الفقر والاستغلال والعديد من التحديات، فيما تتقاطع حياتها مع أحداث تاريخية كبرى مثل الحرب الأهلية الإسبانية، والمنفى، والحرب العالمية الثانية.
استعادة الذاكرة المنسية
ترى دويناس أن شخصية سيليا تشترك في سمات معينة مع بطلتها سيرا في “الزمن بين الخياطات”, وكذلك مع شقيقات بنات الكابتن. “إنهن نساء شابات تضطرهن قسوة الحياة إلى اتخاذ قرارات مصيرية، وترك كل شيء خلفهن لبدء حياة جديدة، ومواجهة مستقبل مجهول بالعزيمة والشجاعة والعمل الدؤوب”.
تتناول الرواية أيضًا حدثًا تاريخيًا غير معروف بشكل واسع، وهو إجلاء آلاف الإسبان من الجزائر في 30 جوان 1962 عبر سفينتين أرسلهما الجنرال فرانكو، في تحدٍ لأوامر الرئيس الفرنسي شارل ديغول.
في هذا السياق، يروي جوزيف تروخا، وهو إسباني هاجر إلى الجزائر خلال الحرب الأهلية الإسبانية وكان حاضرًا في حفل إطلاق الرواية، كيف أُجبر على مغادرة الجزائر على متن إحدى تلك السفن، ويستذكر “الشعور بالرعب الشديد”، حيث شهدت تلك الفترة أعمال عنف واسعة النطاق – بمعدل 20 جريمة قتل يوميًا – بالتزامن مع انسحاب الجيش الفرنسي من الجزائر.
خلال زيارتها إلى وهران في إطار البحث لكتابة الرواية، عبرت دويناس عن أسفها لعدم بقاء أي أثر من المجتمع الإسباني متعدد الثقافات واللغات الذي تصوره في روايتها. وتأمل أن تساهم روايتها في إبقاء هذه الذاكرة حية، مؤكدة: “لدينا في إسبانيا الكثير من القصص التي تستحق أن تُروى”.