الجزائرالٱن _ قال المؤرخ الفرنسي، بنيامين ستورا، إن تعليق عمل الصحافي جون ميشيل آباتي في إذاعة “RTL” بعد تصريحاته بشأن جرائم الجيش الفرنسي خلال فترة احتلال الجزائر، يبرز “الخطر الذي يواجه الباحثين” عند كشفهم لـ “حقائق تاريخية”. وأكد المؤرخ اليهودي من موقعه كمطلع على تاريخ الجزائر، أنّ الاستعمار ارتكب جرائم كبرى لا تزال مطموسة “لعدة أسباب”
في حوار له مع صحيفة “ليبراسيون”، أوضح ستورا أنّ المقارنة بين جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر والمجزرة التي ارتكبها النازيون في أورادور سور غلان عام 1944 (ما قاله جون ميشال أباتي) قد تثير نقاشًا تاريخيًا، لكن وحشية الاحتلال الفرنسي للجزائر تبقى حقيقة تم التعتيم عليها لفترة طويلة. وأضاف أنّ آباتي “كشف عن حقيقة تاريخية غير معروفة لدى عامة الناس”، مستعينًا بمجزرة أورادور سور غلان لترسّخها في الذاكرة الجماعية الفرنسية.
وأكد المؤرخ المختص في التاريخ الجزائري، أنّ تعليق عمل الصحافي الفرنسي يعكس “محاولة جديدة لتقييد مجال النقد التاريخي”، مشيرًا إلى أنّ آباتي “أعلن حقيقة تاريخية، ما جعله عرضة لموجة من الإهانات والتهديدات”، وهو ما يظهر المخاطر التي تواجه الباحثين المهتمين بالاستعمار والعبودية. وأضاف أنّ هذه الواقعة توضح التحديات التي تعترض البحث الأكاديمي اليوم، إذ “أصبح من المستحيل العمل بهدوء لكشف هذه الحقائق”، محذرًا من تهديد حرية البحث في ظل صعود تيارات سياسية تحاول إخفاء حقائق تاريخية.
وفي حديثه عن الصعوبات التي تواجه فرنسا في الاعتراف بماضيها الاستعماري، أوضح ستورا أنّ هذه الإشكالية تعود إلى طبيعة الخطاب الذي رافق الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث تم تبريره على أنّه “مهمة حضارية”، مشيراً إلى أنّ “هذا التصور سمح بتبرير العنف تحت ذريعة تحقيق أهداف نبيلة”. ولفت ستورا إلى أنّ غياب التمثيل السينمائي لهذا التاريخ ساهم في محوه من الذاكرة الجماعية، مبرزًا أنّ فرنسا، على عكس الولايات المتحدة التي جسدت استعمار الغرب الأمريكي في أفلامها، لم تقم بإنتاج أعمال تسلط الضوء على العنف الذي رافق احتلال الجزائر.
وبخصوص الجرائم الكبرى التي ارتكبها الجيش الاستعماري الفرنسي في الجزائر، قال ستورا إن التاريخ الاستعماري الفرنسي حافل بالمجازر، مشيرًا إلى “حرق الكهوف في منطقة الظهرة عام 1845، حيث لقي مئات الأشخاص حتفهم اختناقًا، إلى جانب قصف قسنطينة عام 1837 الذي أوقع عددًا كبيرًا من الضحايا المدنيين، فضلًا عن إبادة سكان الأغواط عام 1852، وقمع انتفاضة 1871 الذي أسفر عن مصادرة 500 ألف هكتار من الأراضي ونفي العديد من الجزائريين”
وفيما يتعلق بسبل تجاوز هذا “التعتيم التاريخي”، أكد ستورا ضرورة اتخاذ “إجراءات ملموسة”، موضحًا أنّ اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باغتيال شخصيات مثل موريس أودان وعلي بومنجل والعربي بن مهيدي كان خطوة مهمة لكنها غير كافية. وأضاف أنّ فرنسا ينبغي أن تبادر باسترجاع “الكتب والرايات والمصحف الشخصي للأمير عبد القادر”، مشددًا على ضرورة تبني “قانون لاستعادة الموروث التاريخي”
أما عن إمكانية تحقيق مصالحة تاريخية بين فرنسا والجزائر، فأوضح ستورا أنّ الوضع الحالي لا يسمح بذلك، حيث لم تعد اللجنة المختلطة للمؤرخين التي عقدت خمسة اجتماعات بين عامي 2023 و2024، تعمل. وأضاف أنّه رغم استحالة الوصول إلى “سردية تاريخية مشتركة”، فإنّ “تبادل الأرشيف والمعرفة الأكاديمية قد يكون خطوة كبيرة إلى الأمام”. وأكد أنّ “ذاكرة الاستعمار تبقى قضية محورية، خاصة للأجيال الشابة الساعية إلى إعادة استكشاف تاريخها”، مشددًا على أنّ “أي خطاب إيديولوجي لن يتمكن من إيقاف هذا السعي نحو الحقيقة”