آخر الأخبار

آلة الاعلام .. الذراع الناعم للدبلوماسية ( 6 )

شارك
بواسطة رفيق شلغوم
مصدر الصورة
الكاتب: رفيق شلغوم

الجزائر الآن _ لا يختلف اثنان في أنّ العلاقات الدولية، ثنائية كانت أم متعددة الأطراف، تبنى على المصلحة المشتركة، فلا صديق دائم ولا عدو دائم، وما يتم تناوله عن الصداقة والأخوة التاريخية، وغيرها من الشعارات لم يعد له مكان في قاموس الواقعية البراغماتية .

إنّ القراءة السيميولوجية لصورة، الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلنسكي “في المكتب البيضاوي، في البيت الأبيض، أعطتنا الصورة الحديثة للدبلوماسية الجديدة على النمط الأمريكي. و كأنّها مسرحية. يجلس الرئيس الأمريكي وبجانبه نائبه، في مقابلة زيلنسكي، ويتبادلان الهجوم، وكأنّها محاكمة القرن، ولعلها مسرحية، من يدري؟ .

ماحدث في هذا اللقاء، كان يمكن له أن يكون في غرفة مغلقة بعيدا عن عدسات الكاميرات، ليحدث ماكان له أن يحدث، ويخرج بعدها الجميع مبتسما، سواء بإرادتهم أو عكس ذلك، المهم أن يبتسم الجميع لعدسات الكاميرات .

إنّ هذا اللقاء، في هذا المكتب، في رقعته على سطح أرض أقوى بلد على المعمورة، أين يدار الكون برمته، أرانا شيئا، ربما هو جديد في الإخراج، لكن الأكيد أنّه ليس كذلك من حيث الدور !

وهنا يطرح السؤال الذي يفرض نفسه :

عن أي دور نتحدث؟

الإجابة هي: دور الاعلام في الإخراج الدبلوماسي .

إنّ المشاهد لهذه الحلقة، قد لاحظ جيدا الدور الذي لعبه الصحفيون، في فرض ضغط رهيب على الضيف غير المحظوظ، من جهة، من أجل إفقاده التركيز والتوازن ، ومن جهة أخرى لو نتمعن في أسئلة الصحفيين، لوجدناها حلقات مكملة لكلام الرئيس الأمريكي وهجومات نائبه .

يعني أنّ الأدوار كانت مدروسة بطريقة دقيقة، رغم المقاومة غير المنتظرة وغير الموفقة إلى حد ما للرئيس الأوكراني .

الأمريكان، يتخلون عن أوكرانيا، فبالأمس، كانت حليفتهم الأولى، واليوم يدفعونها بل يجبرونها على التفاوض مع الروس، لإيقاف الحرب .

البارحة كانوا يرسلون لها معدات ومساعدات بملايير الدولارات، واليوم يضعونها أمام خيارين: المفاوضات أو الدمار على يد الروس .

الذي تغير هنا، هي مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا شيء غير المصلحة، فلا صديق دائم ولا عدو دائم، فقط المصلحة من تحدد العلاقات الدولية .

ما شاهدناه بالمكتب البيضاوي كان مبرمجا، وما نطق به الصحفيون من أسئلة كانت قد أعدت من قبل كذلك .

والدليل على صحة هذا الكلام ،هو عدم طرح سؤال واحد داعم لموقف زيلنسكي ومحرج لترامب !

كل الكلام كان منقولا على المباشر، عبر عدة قنوات تلفزيونية عالمية وبكل لغات العالم، للشعب الأمريكي، بكل أطيافه، ولكل البشر سواء ممن يهمهم الأمر أو لا .

هنا يبرز سؤال ثاني:

يا ترى، ل ِ مَ كل هذا التعقيد؟

ومادور الاعلام في صناعة الدبلوماسية؟

إنّ المتابع لموضوع الحرب (الروسية الأوكرانية)، يلاحظ عدد المرات التي تناولها الرئيس الأمريكي في تصريحاته، قبل حتى أن يعتلي سدة الحكم، في التصريحات، الخطابات، اللقاءات بمناسبة أو غير مناسبة .

كم مرة تناقلتها وسائل الاعلام، حتى أصبحت حديث العام والخاص، والكل، يجزم أنّ الحرب ستتوقف، لأنّ الآلة الاعلامية قد رسخت في أذهاننا الرسالة المراد لها أن تكون، وهي توقف الحرب، وأنّ أوكرانيا وبالتحديد زيلنسكي، يبتز أصدقاءه، وهو يجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة .

زيلنسكي، نفسه استعمل نفس التقنيات، وهو ما أثار غضب نائب الرئيس الأمريكي “جي دي فانس” ، كونه اختار الانتقال عبر كافة أوروبا، مهاجما تارة قرار الرئيس الأمريكي، ومتهما تارة أخرى الإدارة الأمريكية بالفساد وبالانحياز للروس وأنّ أمن أوروبا متعلقا بانتصار أوكرانيا، أي ضخ المزيد من المليارات والمعدات، وخلق نوع من استعطاف الشعوب، خاصة الأوروبية والأمريكية .

رقعة الشطرنج في زمان الرقمنة والحروب الهجينة، أصبحت تلعب في الاعلام، لا في الغرف المظلمة، فإن كانت الحروب التي عرفتها قد رافقتها حروب اعلامية، تقودها قنوات تدافع عن طرح صاحبها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، احتلال العراق سنة 2003, كانت تتناوله قناة ( CNN ) على أساس أنّها تحرير للشعب العراقي ، في المقابل كانت قناة الجزيرة تنقل المشاهد مطلقة اسم “ الغزاة“، على الجيوش المحتلة لأرض الرافدين، وهذا مالم يكن في حرب الخليج الأولى حيث قام الجيش الأمريكي بنقل صحفييه على متن “الدبابات”” حتى ينقل الصورة التي يريدها ومن الزاوية التي يختارها .

بعد الحرب، تأتي المفاوضات ، وهنا نرى الدور المهم للاعلام، في صنع الرأي العام .

وهذا ماقيل عن حرب العرب ضد الكيان سنة 1973( أنّه تم هزيمة الكيان عسكريا، ولكن هزم العرب اعلاميا) ، عكس حرب 1967

.

في نفس السياق، تناقلت مؤخرا قنوات العالم، جنازة لعائلة من الكيان الصهيوني، تسلمت رفاتها من أيدي رجال المقاومة الفلسطينة، وقد لوحظ أنّ الكل يتكلم عن حزن الكيان وبشاعة موت أم وابنيها، ولكن لا أحد تكلم عن المتسبب في مقتلهم !!، إنّهم قتلوا على يدي بني جلدتهم.. إنّه الاستخدام البشع للاعلام لصناعة الراي العام وكسب الاستعطاف ورسم صورة وحشية للمقاومة الفلسطينية .

في السلم، تقوم آلة الاعلام بدورها، في نشر الوعي الجمعي لدى المجتمع والارتقاء به حتى تحقق الأمن المجتمعي، ويكون الحصن الرصين للوطن .

وهذا مايدفعنا لإنشاء شبكة اعلامية ضخمة وفعالة، تضم قناة اعلامية عالمية تكون رمزا، بالإضافة إلى قنوات متعددة ومتخصصة بجميع الفئات المستهدفة داخليا وخارجيا، في المقابل نقوم بإنشاء منصات رقمية، بتسميات مختلفة، ومدروسة من داخل الوطن وخارجه وبجميع اللغات .

تكون القناة بيتا للقامات الاعلامية، فضاء للإبداع والأداء، ملتقى للجودة والاحترافية، تصنع فيها الاستراتيجيات الاعلامية، تصنع الرأي الداخلي والخارجي، تتكلم بكل اللغات، تتواجد في أهم العواصم المؤثرة والهامة، تدافع عن السياسة الخارجية للوطن، تستقطب وتؤثر .

يشتغل فيها المسن بخبرته وحرصه، الشاب بعنفوانه وابداعه، تفتح الأبواب أمام الأجنبي، المحترف، والذي نبحث عنه، نكوّنه، نصنعه، ليكون منبرا ولسانا يدافع على بلدنا في بلدانه، عبر صفحاته الرقمية ولقاءاته الجوارية .

تفتح لهذه القنوات، مكاتب تكون مركزا للإشعاع والاستقطاب، للتواصل ومد جسور المحبة، لجلب الاستثمار، للقاءات، وجمع مايجب جمعه، تقوم بخلق “لوبي” لخدمة المصلحة العليا للوطن .

إنّ آلة الاعلام، بكل ماتقوم به، تكون الأداة الناعمة للدبلوماسية، تصنع الرأي، تخلق الاجماع، تبحث عن الاستعطاف والدعم، تخلق فرص الاستثمار، تنقل الرسائل، تدافع عن السياسة الخارجية، تدافع عن قضايا الحق .

إنّ ألة الاعلام، بأدواتها المختلفة، هي “الأوركسترا” التي تعزف لحن السلام على إيقاع قرع طبول الحرب، يقودها “مايسترو” يقف منتصبا أمام الجمهور ببدلته السوداء وهو يرقص على جماجم الموتى.. يقصف، يدّمر، يدافع، يجمع، يؤثر، يصنع، يبني ويشيد، ويسقي الورود حتى لا تذبل .

في النهاية تتوقف الآلة، بتوقف العزف، بإشارة من “المايسترو”، لينحني امام الجمهور، ويسدل الستار معلنا عن نهاية المسرحية .

كل ماحدث أو يحدث هو عبارة عن مسرحية، حزينة ،او مضحكة، لايهم، فلك أن تكون “المايسترو” أو أن تكون المتفرج ، فلك الاختيار .

لكن الأكيد، أنّك لن تكون ذاك الجالس خلف الستار على الأريكة يتربع على العرش، ممسكا برأس الخيط، يحرك “المايسترو ” كما يشاء وقتما يشاء فما هو إلا “عروسة قراقوز” بالنسبة له .

يمسك رأس الخيط وهو ينظر إليك، فلعلك الهدف القادم .

تبنى آلة الاعلام بكل السواعد، ودون إقصاء، بكيانات، ومؤسسات، منسجمة وطنية ودستورية وفعالة، غايتها بناء الوطن وخدمة المواطن، لنكون في الصدارة، في المكان الذي ولدنا لنكون فيه.

يتبع..

الكاتب : رفيق شلغوم، مؤسس ومدير نشر صحيفة “الجزائر الآن” وكاتب مقال رأي بعدد من الصحف العربية

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا