آخر الأخبار

حمدين صباحي يكتب "للجزائر الآن " : القمة العربية.. على من تطلق الرصاص؟

شارك
بواسطة حمدين صباحي
مصدر الصورة
الكاتب: حمدين صباحي

_ هل يصحو النظام الرسمي العربي أم يعود إلى غيبوبته؟

الجزائر الآن _يوم غد سيكون نقطةً فاصلةً في مسار النظام الرسمي العربي، فقرارات القمة المرتقبة التي ستعقد في القاهرة ستكون حكمًا على من أصدرها من الحكام وما يشكلونه من نظام رسمي عربي؛ هل يستطيع أن يصحو من غيبوبته العميقة أم يعود إليها في الطريق إلى موت إكلينيكي أو نهائي؟

عجز النظام الرسمي العربي طويل؛ بدأ مع كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع لتنهي أهم عوامل تماسك النظام العربي وهو مواجهة الوجود الصهيوني والالتزام بالسعي لتحرير فلسطين.

خرجت كامب ديفيد أيضًا على أهم ثوابت هذا النظام المعلنة في قمة الخرطوم 1967 بلاءاتها الثلاث: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض.

ولما عادت مصر إلى جامعة الدول العربية لم تعد وقد تطهرت من خطيئة الصلح المنفرد مع العدو بل عادت بخطيئتها لتنقل عدواها إلى فلسطين بأوسلو (1993) والأردن بوادي عربة (1994) وكلها نماذج للصلح المنفرد.

ثم تبنّى النظام الرسمي المبادرة السعودية ليعمّدها في قمة بيروت 2002 مبادرةً عربيةً تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وتطلب دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

_ السلام المهين

أرادت أن تُلزم السلطة الفلسطينية وباقي فصائل المقاومة وأولاها حماس، بإنجاز وحدة فلسطينية أصبح التخلف عن تحقيقها خيانة للشعب الفلسطيني وتفريطًا في حقوقه.

ويُلزمها ثالثًا باعتماد خطة إغاثة دائمة لا تعطي إسرائيل فرصة إعاقتها أو إيقافها كما فعلت هذا الأسبوع بإعلانها إغلاق جميع المعابر ومنع كل أشكال الإغاثة، في قرار ما زال ساريًا ويُرجَّح أن تنعقد قمة الغد في ظل سريانه.

كما أن بيدها اتخاذ مبادرة بشنِّ هجوم مضاد على الكيان الصهيوني يتضمن حق العودة وملاحقة مجرمي الحرب من قادته، وعزله دوليًا، ومطالبته بالتعويضات عن جرائم الإبادة وتحمل تكلفة تعمير ما خربَّه في عدوانه على غزة.

المطلوب من القمة موقف حاسم يؤكد أن معبر رفح تحت السيادة المصرية الفلسطينية دون أدنى تدخل إسرائيلي، وأنه المنفذ الرئيس لتدفق الإغاثة ولكل آلات ومواد الإعمار.

الشرط الثاني

الوعي بحقيقة الهدف الأوسع والأكبر، ولا أقول الأبعد، الذي يريده ترامب ونتنياهو؛ وهو الإجهاز على النظام الرسمي العربي، فهو مرفوض صهيونيًا وأمريكيًا حتى في حالة المرض التي تصيبه. والمطلوب هدمه تمامًا ليُبنى على أنقاضه نظام تهيمن فيه “إسرائيل” وتقوده بإكراه السلاح والتقدم العلمي وتستتبع فيه العرب كمصدر للتمويل والأيدي العاملة الرخيصة والمواد الخام وكسوق للاستهلاك. نظام جديد السيد فيه “إسرائيل”، وحكام العرب هم العبيد.

لن تكون هناك نجاة فردية لأي قُطْرٍ أو حاكمٍ عربي على حدة من هذا المصير المهين. سبيل النجاة هو موقف عربي موحد متضامن يجسده نظام عربي متماسك يقظ، يتبنى مشروعًا عربيًا واضحًا يحفظ الحد الواجب من الأمن العربي والحقوق والكرامة العربية وفي القلب منها حقوق الشعب العربي الفلسطيني.

موقف موحَّد يُعبِّر عن صحوة إذا تأكدت يمكنها أن تنقل هذا النظام إلى مرحلة الندية ليس فقط في إدارة المواجهة مع أعدائه في “إسرائيل” ومن ورائها أمريكا، ولكن أيضًا في إدارة التنافس والتكامل مع جيرانه في إيران وتركيا وإثيوبيا.

الوعي بحقيقة أن الأمة العربية تمتلك عوامل قوة كافية تكفل لها الانتصار في هذه المواجهة، وتُمكِّنها من إفشال الأهداف القريبة والهدف الأوسع الذي يسعى إليه نتنياهو وترامب، وفضلًا عن عوامل القوة التي تمثلها حقائق الموقع الجغرافي ووفرة الموارد الطبيعية والقوة السكانية والقيمة الأخلاقية النابعة من تراث حضاري تاريخي ممتد، وكلها عوامل تحسب في ميزان القوة، فإن بين يديّ النظام الرسمي العربي سلاحين حاسمين إذا أجاد استخدامهما ضمن النصر في هذه المواجهة، أولهما اقتصادي والثاني سياسي.

أما السلاح الاقتصادي، فهو الثروة العربية في المال والنفط والغاز.

وقد سبق أن استخدم النظام العربي بعضًا منه، عندما أوقف إنتاج البترول في جولة المواجهة مع العدو الصهيوني في حرب أكتوبر.

يستطيع النظام نفسه استخدام السلاح نفسه الآن وخصوصًا مع ترامب التاجر الجشع النصاب الذي يفهم لغة الصفقات، ولا أحبَّ إليه من مال العرب وإلا ما استهل فترته الرئاسية بطلب 500 مليار دولار من السعودية التي تبلغ استثماراتها الحالية في بلاده قرابة 770 مليارًا.

ولو أن مكونات النظام الرسمي العربي، خصوصًا الخليجية، وضعت سلاح المال في المواجهة مع ترامب، فمن المرجح أنها ستكسب.

أما السلاح الثاني فهو سياسي؛ إذ يستهدف ترامب توسيع مدى اتفاقات أبراهام التي ارتبطت به ونجح خلال رئاسته الأولى في فرضها على أربع دول عربية. ويمثل هذا الهدف طموحًا شخصيًا يريد ترامب بتحقيقه إثبات جدارته بجائزة نوبل للسلام! ويملك النظام العربي أن يحرمه هذا الطموح، وأن يستخدمه ورقة ضاغطة على مائدة التفاوض معه.

صحيح أننا في استخدام السلاحين الاقتصادي والسياسي نحتاج موقفًا موحدًا متضامنًا، لكن يبقى زناد السلاح الاقتصادي في يد المملكة السعودية بالدرجة الأولى كونها من تملك الثروة الأوفر مالًا ونفطًا، مثلما يظل زناد السلاح السياسي لدى مصر، التي لديها فضلًا عن الثقل التاريخي والجغرافي والديموغرافي، الاتفاقية الأخطر التي أسست لمسار الصلح. وهذا يلقي على عاتق الدولتين المسؤولية الأكبر والدور الأهم في نجاح هذه القمة، وصد هجوم التهجير والانتقال إلى مرحلة الصحوة.

استخدام هذين السلاحين يتطلب قرارين واضحين من القمة، ضمن قرارات أخرى، أولهما سحب الاستثمارات العربية من الولايات المتحدة الأمريكية وتخفيض إنتاج النفط والغاز العربي ومنع بيعهما إلى إسرائيل، وتفعيل مقاطعتها اقتصاديًا وفق القرارات السابقة للجامعة العربية وإعادة تنشيط مكتب المقاطعة فيها. وثانيهما تجميد كل اتفاقيات السلام المنفرد مع إسرائيل؛ كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة واتفاقات أبراهام، وإعلان سحب مبادرة السلام العربية التي سبق إقرارها في قمة بيروت 2002 طالما لم تستجب لها إسرائيل طوال 23 سنة مضت.

شك في امتلاك الأمة العربية هذين السلاحين الحاسمين، ولكن لا يقين في إرادة النظام الرسمي العربي وجديته في استخدامهما دفاعًا عن نفسه وعن قضيته المركزية فلسطين.

نعم الرصاصة ما زالت في جيب النظام الرسمي العربي، ولكن هل سيطلقها على عدوِّه أم على نفسه؟

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا