الجزائرالٱن _ كلنا نشاهد في حفلات السيرك كيف يستجيب الاسد او القرد او الحصان أو الفيل لتعليمات مدربه وبشكل يدفع الناس للتصفيق والذهول، ولا ريب ان ذلك اخذ وقتا من الغواية والمهارات من المدرب للحيوان ، وهو ما يسمى في أدبيات هذا الميدان ب ” الترويض”(Dressage”.
وعلى مسرح العلاقات الدولية يتم الترويض من قبل القوى الكبرى أو الأقوى بشكل عام للقوى الاضعف في بنياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية..الخ، ولكي أوضح الفكرة ساقدم مثالا على سياسة الترويض الامريكية مع موضوع القدس .
تدرك هيئة صنع القرار الامريكية وهيئاتها الاستشارية ان القدس تحتل مكانة وجدانية لدى المجتمع العربي والاسلامي على حد سواء، مما يجعل التنازل عنها امرا عسيرا ، وهو ما يستوجب ترويض هذه المجتمعات بثلاث أدوات هي :سوط السلطة المحلية ، غواية المساعدات بالمنع او المنح ، ثم التهديد المباشر، وفي كل من هذه الادوات تفاصيل يعرفها ” مدربو السيرك ” السياسي ، للوصول الى الترويض التام، فمدرب السيرك لا يطلب من الفيل أو الاسد الدخول في حلقة معدنية من الخطوة الاولى بل لا بد من الترويض التدريجي.
نعود للترويض الامريكي في سيرك “القدس ” لنرى ان اعتراف ترامب بانها عاصمة اسرائيل ونقل سفارته لها جاء بعد ترويض استغرق خمسين عاما ، وتم الترويض على النحو التالي:
1- القبول بقرار 242 المشهور والذي تضمن الاعتراف باسرائيل ( ومن ضمنها القدس الغربية)، وكان ذلك في فترة ليندون جونسون الديمقراطي 1967.
2– في قرار مجلس الامن الدولي رقم 478 عام 1980 ” امتنعت” الولايات المتحدة عن التصويت على رفض اعتبار القدس مدينة موحدة كعاصمة لاسرائيل( لاحظ انها امتنعت ولم ترفض كبقية الدول في المجلس)، ومن المؤكد ان الامتناع هو اقرب “لنصف القبول ونصف الرفض”، وكان هذا الموقف في فترة جيمي كارتر الديمقراطي.
3- قامت وزارة الخارجية الامريكية في فترة الرئيس الجمهوري رونالد ريغان الأولى بإدراج مدينة القدس “بحدودها الإدارية في التعريف الاسرائيلي” كمدينة “اسرائيلية ” في سجلات الوزارة الامريكية ، وبقيت من 1981 الى يومنا هذا ضمن هذا التوصيف.
4- وفي عام 1982 – في فترة ريغان الثانية – بعث السفير الامريكي في اسرائيل وهو مارتن انديك ” مذكرة ” للخارجية الامريكية يطلب فيها نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس.
5- في 1995 زمن الديمقراطي كلينتون اصدر الكونجرس مشروع قرار ينص على ” الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ..ونقل السفارة من تل ابيب الى القدس خلال خمس سنوات.
6- قبيل نهاية فترة كلينتون اعلن عدم نقل السفارة للقدس ” في الوقت الحالي”، وهو ما يعني ان قرار النقل قد تم ولكن النقاش يدور حول موعد النقل وانتظار نتائج “الترويض”.
7- بعد ذلك جاء ترامب ونقل السفارة في دورته الاولى ، وذكر حول ذلك ان المستشارين حذروه من الخطوة، لكنه قال لهم لن يحدث اي شيء، ونقل السفارة ولم يحدث اي رد ذي شأن، فعاد لمستشاريه –كما يروي هو – قائلا :أرايتم لم حدث اي شيء، لقد دخل الفيل في الحلقة المعدنية ونجح الترويض.
اي ان برنامج الترويض السياسي بدأ بالامتناع عن التصويت ثم شراء الارض لبناء السفارة ثم مذكرة من السفير لنقل السفارة ثم قرار من الكونجرس ثم النقاش حول موعد النقل ثم اقرار النقل، فقد اكتمل الترويض.
فهل ستكون غزة هي مرحلة الترويض القادمة ، ثم تليها الضفة الغربية؟ ترامب واثق من منهجية الترويض بغض النظر عن مدى مصداقية ثقته التي تنبع من قناعته بان الانظمة العربية ليست اكثر من ” بيجرز”(Pagers) يمكنه تفجيرها في الوقت الذي يشاء، لذا فان برنامج الترويض سيستمر بسوط الانظمة والمساعدات والتهديد.
وسيدخل الفيل في الحلقة ، وسيصفق جمهور أنظمة السيرك مدعيا ان العقلانية هي سبب تصفيقه وليس الترويض…ربما.