آخر الأخبار

أبوجرة سلطاني يكتب "للجزائر الآن": عرفنا صائدين في المياه العكرة.. فمن هم معكرو المياه؟؟

شارك
بواسطة بقلم : أبوجرة سلطاني وزير سابق
مصدر الصورة
الكاتب: بقلم : أبوجرة سلطاني وزير سابق

* هناك من لا يحسنون الصيد إلا في المياه العكرة. وهناك من يسعون إلى تعكير المياه الصافية ليصطادوا.

* العلاقات الجزائرية الفرنسية أوسع من أحلام اليمين المتطرف.

* الجزائر عرضت خريطة طريق طموحة ولكن عين المتطرفين على طمس الذاكرة وعلى تخطي السيادة الوطنية.

الجزائر الآن _ منذ فجر الاستقلال والعلاقات الجزائرية الفرنسية تنتعش ثم تفتر وأحيانا يصيبها “البرود الساسي” لأن عدد الصائدين في المياه العكرة يتناسل من رحم اليمين المتطرف كلما اقترب موسم “الاخصاب الإنتخابي”. ولم تكن الحكومات الجزائرية المتعاقبة تعير هذا التكاثر كبير اهتمام بظن أن الزمن كفيل بتنبيه غلاة الساسة إلى خطورة استمرارهم في ممارسة هذه اللعبة السخيفة الموروثة عن العهد الكولونيالي.
وهكذا ظلت الوتيرة بين مد وجزر . فما أن احتفل الشعب الجزائري بمرور ستين عاما على استرجاع سيادته الوطنية ( 1962 \2022) حتى ظهر جيل جديد من نهازي الفرص ومن مقتنصي الأزمات لينفخوا في رماد الماضي الاستعماري. ولم يكتفوا بالصيد في المياه العكرة (بهمز التاريخ واتهام الذاكرة) وإنما سعوا إلى تعكير المياه الصافية ليصطادوا أحلامهم التي لن يتحقق منها شيء.
هؤلاء هم الذين أقضت مضاجعهم معالم “خريطة الطريق” التي وضعها السيد رئيس الجمهورية بين يدي الرئيس ماكرون غداة زيارته للجزائر في شهر أوت 2022 وعززتها زيارة وزيرته الأولى (إليزابيت بورن) بإنفاذ بنودها. لكن الطابور الخامس لم يروا في هذه الخريطة الطموحة سوى وجهها التجاري..!! وبقية الملفات تم تجاهلها أو إسقاطها. بل عمد غلاة اليمين إلى التشويش على الحزائر والقفز على بنود هذه الخريطة بأسلوب انتقائي قائم على نظرة استعلاء مع أن ما جاء فيها سلة واحدة يتم تطبيقها مرحليا بما يحقق مصلحة الدولتين. ولكن نظرة الاستعلاء دفعت إلى الاحتقان وسوء الفهم على نحو عكر المياه الصافية وسمم الأجواء الدبلوماسية بين البلدين وحرض كثير من الشخصيات الفرنسية على “شيطنة” العلاقات الثنائية لتمرير مشاريع استعمارية عجزت فرنسا الرسمية عن تحقيقها بوسائل دبلوماسية عريقة فلجأت إلى حملة انتخابية مسبقة بين المتنافسين المفترضين للتربع على قصر الإليزيه سنة 2027..!!

وفي هذا الصدد فالجزائر ليست مهتمة كثيرا بهذا السباق الانتخابي لأنها تتعاون مع مؤسسات راسخة ودائمة وليس مع أشخاص تأتي بهم حملة وتجرفهم حملة موالية. بيد أن العقيدة السياسية للدولة لا تقبل توظيف تاريخ الجزائر المجيد كورقة انتخابية فرنسية: من أكثر المترشحين عقدا على جزائر الثورة؟؟. والجزائر لا تسكت عن تهديد خارجي ولا عن وعيد انتخابي يستهدف جاليتها بذريعة ما كان بين البلدين من دماء..!! وأن المديونية الفرنسية الثقيلة (حوالي 3200 مليار€) سببها الجاليات غير المفيدة..!! وأن الجزائر منطقة عبور بين الشمال والجنوب..!! للتغطية على جرائم الإبادة التي ارتكبها اليمين في الجزأئر وكتب عنها جون بول سارتر كتابه القيم (عارنا في الجزائر). 1905\1980.

فالميزان التجاري بين الجزائر وفرنسا مختل، خارج المحروقات. مع أن الجزائر تحتل المرتبة الثانية افريقيا. ولكن حجم الواردات من فرنسا تقلص بصعود الرئيس تبون إلى سدة الحكم لأسباب شرحها خلال حملته الانتخابية في عهدته الأولى وأمضاها في الميدان ضمن تعهداته ال54.. وكانت واحدة من الأسباب التي حركت المياه الراكدة للوبي الذي كان يعتقد أن الجزائر بالنسبة لفرنسا هي مجر بازار لتصدير “الخردة” وتحويل العملة وتصريف السلع الرديئة..الخ. لكن العلاقات واسعة ومتنوعة تتجاوز التجارة والصناعة والمحروقات.. لتغطي جميع المجالات العلمية والثقافيةوالنقل والخدمات. وحتى العمل الجمعوي بسبب شبكة الروابط العائلية التي توسعت بتوسع الجالية في فرنسا (أزيد من ستة ملايين مقيما) من مختلف الأعمار والمهن والتخصصات.. يغطون جميع القطاعات ولا سيما الصحة. ومنهم شخصيات مرموقة يحتلون مناصب عالية في الدولة وفي القطاعين العمومي والخاص. مما جعل تشابك العلاقات واسعا ومتجذرا تشابكا متينا لا يمكن فصم عراه بسهولة مهما حاول اليمين المتطرف شيطنته.
والمتشائمون الذين يروون ” أن العلاقات المتوترة من بضعة أشهر قد وصلت إلى نقطة اللاعودة”.. لا يعرفون متابة الروابط التاريخية واللغوية بين البلدين ومدى تشابك المصالح بينهما الأمر الذي يجعل كل تحريض قد يتسبب في “عاصفة دبلوماسية” عارضة سرعان ما تعيد ترميم نفسها فتعود المياه إلى مجاريها. عدا ما يمس بمسألتين فإنه لا مساومة فيهما ولا تسامح معهما ولا سكوت عمن يثيرهما البتة مهما كانت الفاتورة ثقيلة. اعني بهما:

– السيادة الوطنية بكل مكوناتها ومقوماتها وتاريخها وما تحمله كلمة “الندية” من معان.

– العلاقات الخارجية الثنائية والمتعددة برفض أي تدخل في شأن الجزائر الداخلي. أو الانحياز إلى طرف على حساب المصالح الحيوية.. فلا تتوانى الدولة لحظة واحدة للرد كل محاولة للتشويش على مواقفها الثابتة تجاه القضايا العادلة.

ودليل ذلك أن الجزائر قد رحبت – منذ صيف 2022 – بالخطوة الفرنسية تجاه معالجة ملفات الماضي الاستعماري وإعادة النظر في قضايا الذاكرة.. ووضع قطار البلدين على سكة التعاون.. لكن “خرجة الإليزي” حول شأن يخص النزاع الصحرواي/ المغربي حول تقرير المصير لا يمكن تفسيره سوى برغبة فرنسا الرسمية في تعكير الأجواء بتصرفات رعناء متهاونة ومستهترة. تصرفات أقل ما يقال عنها هو أن رئيس فرنسا ينفخ الساخن والبارد في الوقت نفسه مما يجعله عقبة كأداء في وجه كل محاولة دبلوماسية تستهدف العودة إلى الوضع الطبيعي. مع أن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين متينة وذات نفع واسع مشترك . ومنها حق الأشخاص في التنقل واحترام الحريات..

ولكن غابة أفريقيا أكثر كثافة من الشجرة الجزائرية الفرنسية التي تريد بعض الأكراف تغطية غابة العلاقات المتعددة بها كون الجزائر عضوا في الاتحاد الافريقي؛ فمنذ سنة 2011 انتفضت أقطار افريقية كثيرة ضد الوصاية الفرنسية، وبعضها تحرر جزئيا من سيطرتها. وهي ظاهرة آخذة في الاتساع بوعي مجتمعي عازم على استكمال استقلاله العسكؤي..!! وهي ظاهرة مختديفة تحاول الدبلوماسية الفرنسية التغطية عليها بافتعال مشكلات ثانوية مع الجزائر تصرف بها أنظار الرأي العام عن صحوة شعوب أفريقيا ومناداتها بالتحرر من الوجود الأمني والعسكري الفرنسي في بلدانها خاصة ومن القارة الإفريقية كلها. وهي تحولات جيواستراتيجية إذا استمرت ديناميكيتها على هذه الوتيرة سوف يكتشف اليمين المتطرف في العالم كله وفي فرنسا على وجه الخصوص أن اللعب مع الشركاء في العالم الثالث لم يعد تقليديل كما كان بل يجب أن يدتراعي فيه الأطراف جميعا مصلحة شعوبها وتتخلى عن النظرة الشوفينية المحصورة في تيارها الايديولوجي. فالعالم اليوم صارت تحكمه المصالح المتبادلة الثنائية والمتعددة. أما الايديولوجيات فقد ضعف تأثيرها بتفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين وتوحيد الألمانيتين بين سنوات 1989/1994.

فهل يعي الرئيس الفرنسي هذه الحقيقة؟ وهل من مصلحة بلده غض الطرف عن الساعين في تخويض الماء الصافي لأنهم لا يحسنون الصيد إلا في المياه العكرة؟

الأيام وحدها كفيلة بالاجابة عن هذه الأسئلة.

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا