الجزائرالٱن _ عاد البرلمان الأوروبي ليحشر أنفه في الشؤون الداخلية للجزائر، بعد أن سمح لنفسه بمناقشة قضية الكاتب المتصهين بوعلام صنصال، حيث طُرح الموضوع للنقاش بين أعضائه أمس الأربعاء، وخلال التصويت، اليوم الخميس، أكد هذا البرلمان أنّه لا يختلف كثيرا عن اليمين المتطرف الفرنسي، الذي يحاول الاصطياد في المياه العكرة، واستغلال قضية “المرتد” بوعلام صنصال لمهاجمة الجزائر.
البرلمان الأوروبي، ارتدى معطف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وراح يطالب الجزائر بضرورة الإفراج عن بوعلام صنصال “دون شروط”، وكأنّ البلد الذي قدّم ملايين الشهداء من أجل حريته وكرامته، مقاطعة تابعة للاتحاد الأوروبي، يؤمر حاكمها فيطيع.
صحيح أنّ 533 عضوا من أصل 605 صوتوا للقرار الذي يطالب الجزائر بالإفراج عن صنصال، وهو قرار لا يلزم إلا أصحابه، إلا أنّ هذا لا يعني شيئا في حسابات المصالح بين الدول، والمصوتون يدركون جيدا أنّهم فعلوا ذلك من أجل “البريستيج” والظهور بمظهر المدافعين عن حقوق الإنسان، لا أكثر ولا أقل، خاصة أنّ هذا البرلمان، أصبح يعرف بالبرلمان “سيء السمعة”، منذ تفجير قضية رشوة المخزن المغربي لعدد من أعضائه، وهو ما كشفه القضاء البلجيكي، ويضاف إلى أنّه في عهدته الجديدة أصبح أكثر تطرفا بعد أن استولى عليه اليمين المتطرف.
ورغم أنّ البعض يحاولون أن يجعلوا من قرار البرلمان الأوروبي انتصارا على الجزائر، إلا أنّهم لم يهضموا في المقابل، كيف عارض 24 عضوا القرار، وفي مقدمتهم “المتمردة”، كما يصفونها، المناضلة ذات الأصول الفلسطينية، ريمة حسن، وامتناع 48 عضوا عن التصويت منهم زميلة ريمة حسن في حزب “فرنسا الأبية” مانون أوبري.
علاوة على ذلك، صوت ثلاثة نواب فرنسيين آخرين ضد القرار الذي يطالب بالإفراج عن الكاتب، وهم أيضا متمردين في حسابات “اليمين المتطرف”، وهم أنطوني سميث وآراش سعيدي وإيما فوررو. كما امتنع يونس عمرجي، وهو مسؤول منتخب آخر من حزب “فرنسا الأبية” عن التصويت.
ولم يتوقف الغضب اليميني عند هذا الحد، بل راحت أبواقه تهاجم الاتحاد الأوروبي، بحجة أنّه يعامل الجزائر بمكيالين، ففي الوقت الذي يصوّت البرلمان الأوروبي على قرار يطالب الجزائر بالإفراج عن كاتب “مسجون”، فإنّ المفوضية الأوربية تفشل في مواجهة الجزائر اقتصاديا، مذكرة بالمقابل بالعقوبات التي فرضتها الجزائر على إسبانيا وفرنسا، وهو ما أدى إلى انخفاض الصادرات الأوروبية من 22.3 مليار أورو عام 2015 إلى 14.9 مليار أورو عام 2023.
مجلة “لوبوان” الفرنسية، استغلت مناقشة قضية صنصال داخل البرلمان الأوروبي، لتطلق حملة شعواء ضد الجزائر، وراحت تتحدث عن سعي الجزائر لمراجعة اتفاقيتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، ونقلت خبرا غير صحيح عن غلق الكنائس في الجزائر، وقالت أنّ عددها 47 كنيسة، رغم أنّ عدد المسيحيين أنفسهم في الجزائر قد لا يصل إلى هذا الرقم.
قرار البرلمان الأوروبي، الذي لا يساوي حتى الحبر الذي كتب به، قد يكون فرصة أخرى، لأعداء الجزائر لمهاجمتها، من خلال الترويج له، واعتباره تهديدا، رغم يقينهم أنّ الجزائر لا تهدد، إلا أنّه في المقابل يؤكد الانحدار الذي وصلت إليه دول الاتحاد الأوروبي، التي تعيش أزمة سياسية واقتصادية خانقة تظهر أثارها في فرنسا، التي يرى الكثير من المحللين، أنّها تعيش نهاية الجمهورية الخامسة، مادام أصبح اليمين المتطرف هو الحاكم الناهي فيها.