الجزائر الآن ـ تابعت خطاب السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي وجهه للأمة عبر البرلمان بغرفتيه أمس الأحد بقصر المؤتمرات بنادي الصنوبر بالعاصمة .
و يأتي خطاب الرئيس تبون في ظل نهاية سنة تميزت بتحولات استراتيجية ستظهر نتائجها في قادم السنوات و ستحللها الأجيال القادمة ليس في الجزائر و المنطقة العربية و الاسلامية فحسب بل في العالم .
تميز خطاب الرئيس تبون بالشمول ، الشرح و التفصيل ، بعدما مس السياسات الأربع ( 4 ) التالية:
1 ـ السياسة الاجتماعية: و لا يستطيع حتى خصوم الرئيس تبون التشكيك في الانجازات الكبيرة التي تحققت منذ وصوله سدة الحكم إلى اليوم .
من منحة البطالة الغير مسبوقة بقارة إفريقيا بأكملها إلى رفع الغبن على المناطق النائية إلى الزيادات التي مست الأجور و المنح لمختلف شرائح المجتمع و صولا للإنجازات التي تحققت في قطاع السكن ..
2 ـ السياسية الداخلية : و أهم نقطة فيها تأكيده على تنظيم “حوار وطني” .
لكن الرئيس حدد ضوابطه، و أهمها أن يكون الحوار دون غوغاء و ابتزاز وفي ذلك رسالة لتجار واضحة المناسبات السياسية بالبلاد وخارجها .
3 ـ السياسية الاقتصادية : شرح الرئيس المكتسبات الاقتصادية التي تحققت و الأخرى التي ينوي تحقيقها و التي ستمكن الجزائر من أن تكون مع الدول الناشئة بحسب ما أكده الرئيس .
4 ـ السياسية الخارجية : وخص فيها فرنسا تحديدا بالرسائل المطلوبة وجدد دعم الجزائر للقضيتين الفلسطينية و الصحراوية .
كما بعث الرئيس برسالة واضحة لأبناء الجالية الجزائرية بالخارج ، تحمل بين طياتها الاستشراف و النصيحة .
لن أعود لمحتوى خطاب الرئيس لأنه متوفر في جميع وسائل الإعلام خاصة منها الجزائرية .
لكني أقول بأن الإنجازات التي تحققت في قطاع الطاقة بالجزائر على سبيل المثال و التي عددها الرئيس في خطابه ومنها ( التوقف عن استيراد البنزين سنة 2021 .و بالتالي أصبحت تنتجه بكل أنواعه و بسواعد جزائرية وكذلك إكتفاء الجزائر من الطاقة الكهربائية و لديها فائض ب 12 ألف ميغاواظ للتصدير ) تفتح الشهية لتحقيق منجزات أخرى في ذات القطاع وفي قطاعات أخرى.
و الشرط الأساسي هو توفر الكفاءه و تطبيق قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب .
قد يسأل البعض ويقول لماذا إخترت هذا المثال ؟
والسبب واضح وهو التجسيد الميداني لما سبق و أن وعد الرئيس تبون بانجازه.
و سمعت بأذني تشكيك الكثير والكثير في هذه المشاريع التي نراها بأعيننا اليوم .
نعم نراها في “الميدان “ولا نقرأ عليها في” الورق” .
هناك فرق شاسعا بين “تسجيل” المشروع في الورق وبين “تجسيد” المشروع في الميدان ، و في مدة زمنية معينة ومحددة، وهو حال محطات تحلية البحر الخمسة( 5 ) التي ستدخل حيز الخدمة خلال شهر رمضان الفضيل لعام 2025 .
نعم هذه مشاريع نفتخر بها و أكتب عليها بكل فخر واعتزاز في “الجزائر الآن” وحتى في الصحف العربية التي أنشر فيها مقالي هذا .
من يستطيع أن يوقف إستيراد البنزين و ينجز 5 محطات لتحلية مياه البحر في هذه المدة الزمنية القصيرة ،يمكنه أن يحقق الاكتفاء الذاتي في القمح اللين سنة 2029. كما تحقق من القمح الصلب هذا العام .
و المسألة مسألة إرادة و مسألة الرجل المناسب في المكان المناسب وفقط أو هكذا أثبت الميدان .
أعتقد بأن ما حققه الوزير عرقاب في قطاع الطاقة والمناجم، و ما حققه الوزير “ بلعريبي” في قطاع السكن، و ما يتجه تدريجيا الوزير “شرفة” لتحقيقه في قطاع الفلاحة ( بحسب المؤشرات الأولية) يؤكد نجاح هذه القاعدة .
وجب التنويه هنا أيضا للإنجازات الغير مسبوقة في قطاع التعليم العالي و التي لها علاقة بالمؤسسات الناشئة التي أصبحت تعرف طريقها بالجزائر وبثبات .
و أنا أكتب هذا المقال دشن وزير القطاع البرفيسور “ كمال بداري” أول مصنع لتصميم الشرائح الالكترونية بمركز تنمية التكنولوجيات بالعاصمة.
كما تم تحويل 10 براءات اختراع الى منتوجات قابلة للتصنيع و التسويق. ومن دون شك فإن استغلال هذه الإبتكارات و أخرى صناعيا و تجاريا تعزز من دور الجامعة الجزائرية و تساهم في جعلها عاملا رئيسيا في نمو الإقتصاد المبتكر .
قطاع الصناعة وحده الواضح أنه” المجروج” ،و الرئيس قال بأنه تم وضع الأصبع على الجرح .
ومن المؤكد بأنه في حال وجود الرجال المناسبين في الأمكنة المناسبة يستطيع القطاع “المجروج” معالجة جرحه و اللحاق بكل عافية بعدد من القطاعات التي هي في صحة جيدة .و تعيش طفرة ملموسة و “ميدانية” وليست ” مسجلة ” وفقط .
هذه هي الخلاصة التي توصلت لها من خلال حديثي مع عدد من الفاعلين بالقطاع .
بالنسبة للسياسية الخارجية، الرئيس تبون قال ما يجب أن يقال سواء للخائن “صنصال” أو” فرنسا” أو فيما يخص القضيتين الفلسطينية والصحراوية أما باقي الملفات، فلكل مقام مقال .
نعم الانجازات الميدانية الواضحة التي تحققت بعدد من القطاعات وفي وقت وجيز تجعلنا نأمل في الأفضل ،وأن نكون ضمن الدول “ الناشئة”. لكن هذا من دون شك يتطلب إنخراطا أكبر لوزارة الصناعة وهو ما نأمله مع الوزير الجديد، ابن القطاع الدكتور” سيفي غريب” ، وخاصة إنخراط الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار التي بحسب مديرها “عمر ركاش” شرعت في تجسيد المرحلة الثانية من الإصلاحات وذلك بعد أوامر الرئيس و التي تتعلق بشكل خاص بالرفع من نجاعة الشباك الوحيد و تحسين توزيع الأوعية العقارية من خلال وضع شباك وحيد فعلي يلقى فيه المستثمر جميع الخدمات في مكان واحد دون أن يضطر للتنقل إلى مختلف الادارات .
ما اتمناه كمتابع للشأن الوطني عموما و الاقتصادي خصوصا، أن أرى مدير الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار وهو يزور مشاريع جسدت في الميدان( ولما لا تكون رفقة الوزير التابع لقطاعه الاستثمار ) وذلك حتى ينزع عمر ركاش بدلة “تسجيل المشاريع” و يرتدي بدلة” إنجاز المشاريع” ،لأن الفرق واضحا وشاسعا بين البدلة الأولى و البدلة الثانية من حيث النتيجة و بالتالي القيمة .
الرجل المناسب في المكان المناسب ضرورة فرضتها أهداف” الجزائر الناشئة” لتنفيذ برنامج الرئيس. وهو ما ظهر جليا في عدد من القطاعات التي أصبحنا نفتخر بها و بإنجازاتها الميدانية .
الجزائر ناشئة ليست حلم ولا هدف الرئيس تبون لوحده، بل حلم وهدف كل جزائري حر يعتبر نفسه ابن الشيخ آمود ،بن بولعيد ، الحواس ،لطفي، عميروش، وابن كل شهداء هذه البلاد الذي دفعت 5 ملايين و 530 ألف شهيد خلال 132 سنة من الاحتلال الفرنسي المجرم .
خطاب الرئيس البارحة للأمانة كان في المستوى العالي، سواء من حيث الشكل أو المضمون . و المطلوب الآن ضرورة امتلاكنا لآلة إعلامية وطنية قوية تسوق كما يجب للإنجازات الغير مسبوقة الموجودة في الميدان ، و تضع أصبعها على الجرح لمعالجته، دون أن تزيد من حجمه أو تتركه ينزف ، لأن مهنيتها ووطنيتها تمنعها ذلك .
للأسف في الكثير من الأحيان نحن نخاطب في أنفسنا بالجزائر ، رغم إجتهادات البعض منا من أهل القطاع .
لن أنسى أبدا عندما تلقيت دعوة من الرئاسة الأذربيجانية العام الفارط لحضور ندوة عالمية خصصت للإعلام الالكتروني ، ألتقيت قامات إعلامية عربية واسلامية وعالمية محترمة، وجدتها تقريبا و للأسف عند حديثي مع عدد منها أنها لا تعرف شيئا عن منحة البطالة التي أقرها الرئيس تبون بالجزائر. بل الطامة الكبرى أنها لا تعرف و لم تسمع من قبل على الجامع الأعظم بالجزائر .
في تلك اللحظة إقتنعت بأننا بحاجة لإعلام جزائري يخاطب العالم ،بقدر حاجتنا لإعلام يصنع الرأي العام الوطني و يؤثر في الداخل ،لأن “الجزائر الناشئة” يلزمها إعلام وطني قوي ومؤثر داخليا و خارجيا .
الكاتب: رفيق شلغوم ، مؤسس ومدير نشر صحيفة” الجزائر الآن ” الالكترونية وكاتب مقال رأي بعدد من الصحف العربية