في خطوة تمثل تحولا جذريا في الأنظمة التعليمية في إفريقيا، أعلن السنغال، الدولة الناطقة باللغة الفرنسية في غرب إفريقيا، عن إدخال تعليم اللغة الإنجليزية في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي.
هذه المبادرة، التي أُطلقت رسميًا منذ أيام، تأتي في إطار استراتيجية حكومية تهدف إلى تجهيز الشباب بالمهارات اللازمة للتنافس في عالم يتسم بالعولمة.
يُظهر القرار السنغالي الذي كشف عنه وزير التربية الوطنية مصطفى قيراسي، ونقله الموقع السنغالي Seneweb رغبة قوية في الابتعاد عن الاعتماد التقليدي على اللغة الفرنسية، التي لطالما ارتبطت بالاستعمار.
فبعد عقود من السيادة الفرنسية، يدرك القادة الأفارقة أخيرا أن الفرنسية لا تناسب إفريقيا اليوم، وأن الدول التي كانت غارقة في ظلام الاستعمار ومخلفاته، بدأت ترفض كل أشكال الوجود الفرنسي على أراضيها.
وفي خطوة جريئة أخرى كانت مالي قد قزمت مكانة اللغة الفرنسية في دستورها الجديد، لتصبح مجرد “لغة عمل” بعد أن كانت اللغة الرسمية.
هذا التغيير التاريخي يعكس استياء شعوب المنطقة من هيمنة فرنسا الاستعمارية وينم عن وعي إفريقي كبير وناضج. وأن الافارقة على يقين بأن لغة موليير انتهت صلاحيتها بينهم. وأن فرنسا التي لطالما اعتبرت نفسها قوة لا يمكن المساس بها في إفريقيا تشهد الآن انهيار نفوذها بشكل سريع.
والواقع ان ذلك بدأ فعليا يتجسد، بعد انسحاب قواتها من مالي في 2022، وبدأ زوالها في دول أخرى مثل غينيا وبوركينا فاسو.
إن فرنسا اليوم تتخبط في البحث عن مكان لها في قارة كانت تسيطر عليها لعقود، كما أن الشباب الإفريقي لم يعد يقبل بوجود فرنسا، بل يبحث عن حلول جديدة وفعالة لمشاكله و الفرنسية خارج حساباته.
يتبنى السنغال هذا الاتجاه الجديد كجزء من رؤية طويلة الأمد نحو عام 2050. حيث أشار رئيس الوزراء، عثمان سونكو، خلال اجتماع وزاري، إلى أهمية بناء موارد بشرية قادرة على المنافسة في السياق العالمي المتغير. التعليم المبكر للغة الإنجليزية يسهم في تحسين فرص العمل ويعزز من قدرة الشباب على الاندماج في أسواق العمل الدولية.
الإنجليزية، كلغة عالمية، تشكل اليوم مفتاحًا للاندماج في الاقتصاد العالمي. و الفرنسية لم تعد تسمن ولا تغني من جوع في عصر التطور التكنولوجي السريع الذي بات يعترف بقوة الانجازات العلمية، والواقع يملي اليوم أن الدول التي تصل الى قمة تطورها في مختلف المجالات، تكون لغتها هي المسيطرة في العالم.
وعلى الرغم من أن الإنجليزية ارتبطت بالتقدم العلمي طويلا، الا أنها تواجه رغم ذلك هي الاخرى خطر اكتساح اللغة الصينية، فالصين تعتبر قوة تكنولوجية رائدة في العالم، حيث تبتكر وتطور تقنيات متقدمة في مجالات كثيرة مثل الذكاء الاصطناعي، الاتصالات، والتكنولوجيا الحيوية، وقد بدأت اللغة الصينية تستهوي الملايين في العالم لإرتباطها بالتطور العلمي.
وهي ذات الرؤية المستقبلية التي تنظر اليها الهند التي تعتبر دولة متطورة في مجالات التكنولوجيا والبرمجيات و تُعَد مركزًا عالميًا للابتكار وتكنولوجيا المعلومات.
وقد سبق وصرح القادة في الهند عن رغبتهم في تعميم اللغة الهندية عالميًا كجزء من تعزيز هوية الهند الثقافية وزيادة تأثيرها في الساحة الدولية.
وتلعب الجزائر أيضًا دورًا بارزًا في هذا التحول اللغوي. على مدى السنوات الأخيرة، بدأت الجزائر في تعزيز تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس والجامعات، في محاولة لتخفيف هيمنة اللغة الفرنسية.
فالحكومة الجزائرية تدرك أهمية الإنجليزية في العالم الحديث، وبدأت تنفيذ برامج تعليمية جديدة تهدف إلى تطوير مهارات اللغة الإنجليزية لدى الشباب.
هذه المبادرات تعكس رغبة الجزائر في تعزيز مكانتها في الساحة الدولية، وتقديم فرص جديدة لمواطنيها في عالم متزايد التنافسية.
إن التحول اللغوي في السنغال ليس ظاهرة فردية، بل هو جزء من اتجاه أوسع في إفريقيا، عبر دول مثل الجزائر وكينيا ونيجيريا التي باشرت فعليا في تعزيز تعليم اللغة الإنجليزية في مراحل مبكرة.
هذه الظاهرة تشير إلى وعي متزايد بأهمية اللغة الإنجليزية في العالم المعاصر، وقدرتها على فتح الأبواب أمام فرص تعليمية ومهنية أكبر.
إن اعتماد السنغال على اللغة الإنجليزية يعكس تطورًا مهمًا في الوعي الثقافي والسياسي في إفريقيا.
هذه الخطوة ليست مجرد تغيير لغوي، بل هي تعبير عن رغبة الشعوب الإفريقية في التحرر من قيود الاستعمار اللغوي وكل ماله علاقة بفرنسا الاستعمارية، وبناء مستقبل يدعمه التعليم والتمكين.