الجزائرالٱن _ “إنّها نجم حقيقية. الجميع يبحث عن صورة شخصية معها. إيمان خليف هي إحدى وجوه العام الماضي. سبقت ميداليتها الذهبية في أولمبياد باريس حملة كراهية على وسائل التواصل الاجتماعي شككت في جنسها ومزايا فوزها. عن غير قصد، أثار إنجاز خليف – أول ملاكمة إفريقية تفوز بلقب أولمبي – هجمات من دونالد ترامب وإيلون ماسك وجورجيا ميلوني. بطلة الجدل لم تتعثر وأكدت سيطرتها على الحلبة. وهي لا يتردد الآن أيضًا خارج الحلبة.”
بهذه العبارات قدّمت صحيفة ” الإنديبندينتي” الإسبانية، لحوارها مع البطلة الجزائرية، والذي اطلعت عليه صحيفة “الجزائر الآن” الإلكترونية.
عندما سُئلت إيمان خليف في بداية الحوار عن “الصيف الباريسي”، قالت والابتسامة تعلو وجها (حسب تعليق الصحيفة): “لقد كانت ضربة نحو النجومية”، ففي الأول من أوت، ضربت خليف منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني على أنفها. كانت 46 ثانية كافية لكي ترى كاريني أي فرصة أمامها للحصول على المعدن الأولمبي.
“هذا ليس عدلاً!” تمتمت المرأة المهزومة مؤخرًا”، علّقت الصحيفة الإسبانية، معتبرة أنّ التأهل إلى الدور ربع النهائي، كان بداية الرحلة إلى الذهب.
وعادت “الإنديبندينتي” الإسبانية، بين سؤال منها وإجابة من إيمان خليف، لتستعرض ما مرت بها الملاكمة الجزائرية، مؤكدة أنّ رحلتها نحو الذهب الأولمبي “لم تكن تخلو من المعاناة”، حيث اضطرت خلال الأيام التالية إلى تحمل التعليقات التي تتطفل على سيرتها الذاتية. وافتتحت رئيسة الوزراء الإيطالية الحظر بالتنديد بأنّ النزال الذي خسرته مواطنتها “لم يكن على قدم المساواة” بسبب “خصائص خليف الذكورية”. وبعد فترة وجيزة، اندلعت العاصفة المثالية. من على منصة التتويج الخاصة بها، شارك إيلون ماسك رسالة من السباح رايلي جاينز الذي أكد أن “الرجال لا ينتمون إلى الرياضات النسائية”، بالتعليق: “بالتأكيد”
ووعد دونالد ترامب، بأحرفه الكبيرة الغاضبة، على شبكته الاجتماعية “تروث سوشيال”: “سأبعد الرجال عن الرياضات النسائية!”. وقبل أيام من الانتخابات الرئاسية، استخدم ترامب، إيمان خليف مرة أخرى لإثارة أتباعه: ففي مقطع من حملته بث صورة للملاكمة، في حين أعرب التعليق الصوتي عن أسفه لأن “الرجال يستطيعون ضرب النساء والفوز بالميداليات”.
وانضم متحدثون عاديون آخرون، متهمون برهاب التحول الجنسي، إلى الجدل. وزعمت الروائية جي كي رولينغ أنّها رأت على وجه المرأة الجزائرية “تكشيرة رجل مفتول العضلات” كانت “تستمتع بألم امرأة تلقت للتو لكمة في رأسها”.
وشهدت إيمان خليف العاصفة استعدادا تاما لمعاركها القادمة، مستنكرة: “أنا ضحية لحملة مضايقات مباشرة والعالم أجمع اعتبرها من خلال الألعاب الأولمبية كمنصة”، وأضافت: “يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي ضارة جدًا إذا لم يتم استخدامها بشكل صحيح”، وتابعت: “بناءً على تلك التجربة، يمكنك القول إنني تعرضت للمضايقات بسبب خطاب الكراهية، ولكنّه ساعدني أيضًا على أن أصبح أقوى وأحصل على الميدالية الذهبية”.
“ما حدث خلال الأولمبياد صدمة ولكنّني كنت مجبرة على الدفاع عن نفسي ضد العدوان”
كانت الأشهر القليلة الماضية محمومة بالنسبة لإيمان، التي تناوبت بين التدريب والظهور الإعلامي، مما دفعها إلى الظهور على غلاف مجلة “فوغ” العربية أو تلقي الثناء في وطنها. “كل ما حدث في الألعاب الأولمبية كان بمثابة صدمة، لكنّني كنت واضحًا أنه يتعين علي الدفاع عن نفسي في مواجهة العدوان. ثم تمكنت من مواجهته لأنّه كان هناك علماء نفس وأطباء ومهنيون قاموا بحمايتي من كل ما كان يحدث”
قاد ظهورها إلى الصفحة الأولى وفداً من الصحفيين إلى “بيبان مصباح”، وهي بلدة صغيرة بولاية تيارت، حيث ولدت وحيث تعيش عائلتها. أصبحت حياة الفتاة البالغة 25 عامًا فجأة موضوعًا للتدقيق والمناقشة العامة. وقدّم والدها شهادات ميلاد ابنته وصور طفولتها، في جو من التدخل والشك، وسط شكاوى من “فرط الأندروجينية” أو “الكروموسومات الذكورية” لدى الشابة. وحتى اليوم، تتجنب خليف إثارة الجدل. وعندما سئلت عن رسالة موجهة إلى ترامب، قالت مبتعدا: “ليس لدي أي رسالة له لأنّني لا أريد خلط السياسة بالرياضة”. وتضيف: “لقد اعتدنا على رؤية السياسيين يتحدثون في كثير من الأحيان دون تقديم أدلة أو حجج”.
وتتابع خليف، التي تدافع عن “الاستخدام الجيد لشبكات التواصل الاجتماعي”، إنّها هادئة. “أنا سعيدة في الداخل وهذا هو الشيء الرئيسي. أنا أعرف من أنا، والشعب الجزائري يعرفني، عائلتي تعرف أنّني ابنتهم”، وتضيف: “هناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين يقعون ضحايا مثلي، فريقي يعمل على هذه القضية، نحن نرى ما يمكن عمله، لدي إرادة وثقة جديدة بعد حملة المضايقات هذه. أعلم أنّني ملاكمة ومستعدة للمشاركة في مسابقات أخرى. أعلم أنّني أستطيع مواجهة حملات مماثلة في المستقبل وأنني سأحقق العدالة”، لتكمل: “إنّها عملية طويلة ولكن يجب محاسبة الناس أمام العدالة على ما قالوا.”
“خلف نجاحي في الأولمبياد قصة تضحية وألم”
إيمان خليف عازمة على تحويل قصة نجاحها إلى حافز للآخرين، حيث تقول للصحيفة الإسبانية: “لقد نشأت في عائلة محافظة وفي بلدة محافظة، وناضلت من أجل ممارسة الملاكمة، وهي رياضة للرجال”.
وتضيف: “لقد أقنعت الحي وعائلتي بأنّني أستطيع الملاكمة لأنّني أحببت ذلك. كان لدي دائمًا هدف تحقيق التميز. لقد بدأت بالفوز وكان ذلك بمثابة نقطة تحول. رأى الجميع من حولي أنّ هذا دليل على أنّ تلك الفتاة يمكن أن تكون ناجحة. ثم ذهبت إلى المنتخب الوطني وأقتنعت عائلتي ودعمتني. تدربت كثيرًا وشاركت في العديد من البطولات. منذ 2020 فتحت لي الأبواب .. أنا لاعبة أولمبية واليوم لدي تمويل عام تحت تصرفي للاستمرار”.
وتوضح أنّه كان عليها التغلب على التحديات طوال الطريق، “عندما بدأت التدريب قمت بذلك على بعد 20 كيلومترًا من مدينتي. كان التنقل إلى مكان التدرب مشكلة معقدة، خاصة في الأيام الممطرة. لقد كانت التحديات أمامي دائمًا، والتي حولتها إلى حوافز”، كما تمثل الشائعات والإهانات التي تتعرض لها منذ بطولة العالم للملاكمة 2023 في نيودلهي تحديًا أيضًا. وتضيف: “وراء ما رآه الجميع في الألعاب الأولمبية، كانت هناك قصة من التضحية والألم”، وتتابع: “والآن أريد فقط أن أكون الأفضل في عالم الملاكمة وأن أروّج لهذه الرياضة بين النساء .. أريد أن أمثلهم في جميع أنحاء العالم وأمثل حقوقهن ونضالهن”.
خارج الحلبة، تريد إيمان خليف أيضًا أن تنتصر على أولئك الذين يحكمون وينشرون الكراهية “لا يمكن للناس أن يثقوا في الشائعات. يجب أن ندرك أنّ من يملك الحلم يتعرض للهجوم. الأشخاص الأقوياء لا يستطيعون فعل ذلك. نحن جميعا متساوون ويجب أن نعيش في عالم ينعم بالسلام. أنا مجرد مثال واحد ولكن هناك العديد من الأشخاص الآخرين المتضررين من هذا التحرش”، وتضيف: “نأمل أن نتمكن من التطلع إلى عالم أفضل خالٍ من التنمر عبر الإنترنت والمضايقة والكراهية”.
وتنهي صاحبة الملحمة التاريخية حديثها لصحيفة “الإنديبندينتي” الإسبانية موجهة رسالة جاء فيها: “إلى أولئك الذين يواصلون التشهير، أود فقط أن أقول إنّ رسائل الكراهية التي يرسلونها تجعلني أقوى”