آخر الأخبار

على مشارف السابع من أكتوبر

شارك الخبر
مصدر الصورة

الجزائرالٱن _ لن أستطيع منافسة الرفاق الذين سيتوقفون طويلا أمام الزلزال الذي أحدثه “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، وأفضل أن أتوقف عند بعض ما أتصور أنه وراء الكثير مما عشناه في السنوات الماضية من هزائم وإحباطات، وما أرى أنه ليس بعيدا عن الأوضاع التي دفعت قوات المقاومة الفلسطينية إلى إنجازات ذلك اليوم الخالد. 

وتتعلق الوقفة بمقال قدمته “رأي اليوم” في الرابع من أكتوبر، حول ذكرى رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأحسست أنه يتصور بأن معظم القراء “مسطولون” لا يعرفون أبجديات التاريخ العربي المعاصر، فيقدم لهم وقفة أمام تجربة الإخوان المسلمين رأيتها بعيدة كل البعد عن النقد الذاتي الذي طالب به المقال من توقفوا بالتقدير أمام تجربة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والتي اعتبرها المقال، في تجاوز لا يخدم طروحاته (حالة الاستبداد والدكتاتورية الذي جسد ناصر نموذجا سيئا من نماذجها). 

والمقال لا يُحمّل قيادات الإخوان المسلمين، بمختلف فروعهم، أي مسؤولية، كبُرتْ أم صغُرتْ، عن (حالة الانحطاط التي يعيشها العالم العربي والإسلامي في هذه الحقبة من تاريخها، وحالة الشلل الكامل أمام عربدة حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، التي تجتاح وتقتل وتدمر شعوبا ودولا عربية، مستهترة بملياري مسلم حول العالم وسبعة وخمسين دولة عربية وإسلامية) حسب ما جاء فيه، متناقضا بذلك مع ما يأخذه على “الآخرين” من (غياب النظرة النقدية والموضوعية لتجربة عبد الناصر البشرية، بهدف الاستفادة منها لبناء الحاضر والمستقبل). 

ولا يسجل المقال، من باب الأمانة الفكرية، أن خصوم عبد الناصر بالأمس هم اليوم متخاذلون مطبعون يرقصون بأعلام النجمة السداسية، ويقيمون الأفراح والليالي الملاح للتغطية على مأساة فلسطين ولبنان، ويزودون الكيان الصهيوني بالوقود والأغذية بل وبالمقاتلين وبما لا نعرف عنه اليوم الكثير.

أكثر من ذلك، يقول المقال، في إشارة لعبد الناصر، بأن (الأوضاع المتردية التي يعيشها العالم العربي بدأت تتشكل في سنوات حكمه الثمانية عشرة منذ العام 1952 وحتى العام 1970؟!…) وهذا، في نظري، هو أبعد ما يكون عن الموضوعية التي يتطلبها من يريد منا عدم تناسي تضحيات شباب الإخوان المسلمين، منذ حرب فلسطين في الأربعينيات.

ولقد تناولتُ ممارسات حركة الإخوان المسلمين، سلبا وإيجابا، أكثر من مرة، وفي حدود ما عشته وما عايشته، ورفضت دائما منطق التعامل مع الأحداث على أساس تقسيم البشر إلى ملائكة وشياطين، لكن المقال يسيئ الظن بذاكرتنا جميعا، فيخلط السكر بالملح، ويشير لما يسميه حرفيا (انقلاب/حركة/ثورة 23 تموز/يوليو 1952) التي كان (للإخوان المسلمين الدور الكبير في نجاحها وحمايتها في أكثر مراحلها خطورة، وذلك باعتراف الثورة نفسها) وهو أمر صحيح تاريخيا وعشته شخصيا في القاهرة، فيجزم بأن (الإخوان المسلمين لم يطمحوا يوما في السيطرة على الثورة أو فرض الوصاية عليها).

وهذا القول بعيد كل البعد عن الصحة، وكان من أسباب انهيار التحالف المرحلي بين قيادة الإخوان المسلمين وقيادة ثورة يوليو، ولعله من خلفيات المصير المؤسف للرئيس المصري محمد نجيب، الذي كانت شجاعته من أهم أسباب نجاح الثورة، لكن÷ خسِر الصراع عندما خُيّل له، عبر تشجيع يعرف الجميع من وقف وراءه، أنه قادر على أن يتجاوز القيادة الفعلية للثورة، وتناسى من دفعوه لذلك أن موقع القيادة في أي مكان في العالم ليس فيه إلا كرسي واحد.

ولقد تعرض رجال الإخوان المسلمين إلى ظلم رهيب خصوصا في السنوات الأخيرة، لكن تسجيل دورهم في حركة النضال العربي يتطلب من المتعاطفين معهم والمؤيدين لهم والمرتبطين بهم حدا أدنى من الموضوعية الذي تفرضه وقفة النقد الذاتي، حتى لا يُدفع المجموع الوطني إلى الانسجام مع الطروحات الانقلابية، التي كانت وستظل دائما يدَ الأطماع الاستعمارية للسيطرة على المنطقة العربية والإسلامية.

وأنا أتفق تماما مع الاستنتاج الذي وصل له المقال من أن: (المراهنة على قوة العسكر والمخابرات وأجهزة الأمن مهما بلغت في وحشيتها وقسوتها وعدائها للشعب وولائها للنظام من جهة، وعلى الحليف الأمريكي أو الصهيوني من جهة أخرى، في حماية هذه الأنظمة، لن يجدي حينما يتحرك الشعب بكل قطاعاته كما حدث في ثورات الربيع العربي… إنها حتمية دينية وتاريخية: دولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام الساعة… والعاقل من اتعظ بغيره!!!…) أو كما قال.

لكن هذا يتطلب من بين ما يتطلبه الالتزام بقوله تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.

وحركة الإخوان المسلمين، منذ أنشأها الشهيد حسن البنا في العشرينيات، كانت جزءا نشطا من حركة التاريخ العربي، اجتهدت وأصابت واجتهدت وأخطأت، ومن حقها، بل ومن واجبها، أن تظل جزءا فاعلا في الحاضر والمستقبل، بشرط أن تدرك قياداتها أن ذلك يتطلب دراسة التاريخ وإعادة التقييم ومواجهة النفس ومراجعة التحالفات وتفهم التوازنات وإعطاء كل ذي حق حقه.

والمدرسة الأولى لكل ذلك هي حركة المقاومة الإسلامية التي نحتفل هذا الأسبوع بأعظم إنجازاتها، والتي وضعت القضية الفلسطينية في مقدمة الاهتمامات العالمية واستثارت الكثير من شعوب الغرب ضد قياداتها، وفضحت كل قيادات الشمال بعد أن فضحت معظم قيادات الجنوب(كير ستارمر)، وأكدت أن الصراع اليوم هو صراع حضاري بالدرجة الأولى.

ولقد أرسل لي القارئ المتميز الأخ علي بن فليس، رئيس الوزراء الجزائري الأسبق، مقالا منسوبا للبريطاني “كير ستارمر”، ، جاء فيه: 

خلافاتنا في الحقيقة ليست مع الشعوب الإسلامية ولا الأنظمة الحاكمة، لأن الأنظمة تدور في فلكنا وتستمد بقاءها من جانبنا، وتنفذ سياساتنا التي تخدم الأمن القومي الغربي بغض النظر عن أمنها القومي.

إن مشكلتنا الحقيقة تكمن في (الإسلام ذاته ومع محمد نبي الإسلام نفسه) لأنه دين حضاري يمتلك الإجابات التفصيلية لكل الأسئلة الوجودية والحضارية، وهو منافس عنيد للحضارة الغربية التي بدأت تفقد ألقها، بينما الإسلام ومحمد يزداد ألقا حتى داخل مجتمعاتنا الأوربية التي أتاحت لها القيم الليبرالية حرية التفكير، وأضعفت سلطة الكنيسة، وهذا التفكير الحر المجرد قاد الكثير من النخب والشباب إلى اعتناق الإسلام، لأنهم وجدوا فيه كل الإجابات عن احتياجاتهم النفسية والروحية والوجودية والاجتماعية التي أغرقتهم فيها حضارتنا المتناقضة.

نحن مشكلتنا الحقيقة مع الإسلام نفسه وستظل كذلك لأنه ليس لنا إلا خيار مواجهة التدفق الإسلامي والفكر الإسلامي بشتى الطرق، لأن الخيار الآخر هو أن نعترف أن الإسلام دين الله الحق ودين يسوع وكل النبيين، وهذا سيقودنا إلى اعتناقه، حتى نصل إلى ملكوت الله في الدنيا وما بعد الحياة. 

وهذا سيعيدنا إلى المربع الأول في صراعات الدين والدولة في الفكر المسيحي، على أن هناك فرقاً شاسعا بين الإسلام والمسيحية في تلك القضايا.

ليس لنا خيار سوى مقاومة الإسلام ولو أدى ذلك إلى تخلي بلداننا ومؤسساتنا على القيم الليبرالية، وعلينا أن نسن القوانين التي تدفع المسلمين إلى مغادرة أوربا، ولنا مثال في السويد التي تفرض قوانينها المثلية والشذوذ والإلحاد وهذا أكثر ما يدعو المسلمين إلى مغادرة أوربا أو الانصهار في حضارتها وفقدان إيمانهم بالإسلام، وكذلك علينا أن نمنع الهجرة من العالم الإسلامي إلى أوربا وأمريكا ولو بالتعاون مع الدول الإسلامية ونفتح المجال لهجرة الشعوب غير المسلمة.

ومن جهة الأخرى يجب الاستمرار في دعم إسرائيل مهما كانت إجراءاتها قاسية، حتى لا تسمح بإقامة نواة لنظام إسلامي في غزة يشجع الشعوب الإسلامية على احتذاء التجربة، وممكن في هذا المجال الاستفادة من الدعم الكبير الذي تحظى به إسرائيل من الدول العربية، التي تخاف من قيام أي نظام إسلامي أو ديمقراطي، وهذه نقطة ثالثة مهمة وهي دعم الأنظمة العربية ومؤسساتها وجيوشها وأجهزتها المختلفة التي تمنع قيام أي نظام يستمد قيمه من تعاليم محمد ومن كتابه المقدس.

لا يهم إن كان ما نقوم به خطأ أو باطلا أو شرعيا أو غير شرعي، فهذه مسألة يجب أن تكون محسومة ونعمل عليها ومن خلالها، نحن أمام تحد كبير بين قيمنا الليبرالية وأمننا القومي وهما الآن قيمتان متناقضتان وبين الزخف الإسلامي المنبعث من كل مكان في العالم وكأنه بخار الماء الذي لا ندري من أين طلعت عليه الشمس، لا يجب أن نختبر صوابية وخطأ القيم الإسلامية لأن ذلك قد يقود أكثرنا إلى الإسلام والقيم الدينية المحمدية، وفي نفس الوقت هناك حاجة إلى جرعات من المسيحية ولكن بصورة منضبطة لا تؤثر على إنجازات الحضارة الغربية، بهدف الحد من توغل الإسلام إلى ديارنا.

نحن الآن بين خيارات متناقضة ومخيفة لأن الاستمرار في خياراتنا الليبرالية يفقدنا الحصانة من الزحف الإسلامي، والعودة إلى الكنيسة يهدم قيمنا الليبرالية ويؤثر على منجزاتنا الحضارية، وقد نشأت أجيال في الغرب لا تؤمن بالمسيح ولن تستطيع العودة إلى الكنيسة بعد رياح الانفتاح اللا محدودة”.

*************

وبعد: هذا ما يقولونه وذلك ما نقوله،

ولن أضيف كلمة واحدة.

شارك الخبر

إقرأ أيضا