في الوقت الذي شكلت فيه العملات المستقرة على مدى العقد الماضي العمود الفقري للتداول وتسوية المعاملات في أسواق الأصول الرقمية تتجه أنظار قادة الصناعة إلى مرحلة مختلفة قد لا يكون فيها التداول مصدر الإيرادات المستدامة التالية لقطاع العملات المشفرة، وفق تقرير حصري لمنصة إنفستنغ دوت كوم.
والعملات المستقرة هي عملات رقمية مشفرة قيمتها مرتبطة بأصول ثابتة، غالبا الدولار الأميركي، لتجنب تقلبات العملات المشفرة غير المستقرة.
وبحسب التقرير المنشور في 20 يوليو/تموز 2025 لعبت العملات المستقرة، مثل "يو إس دي تي" و"يو إس دي سي" دورا محوريا في دعم السيولة داخل منصات التداول، وتسهيل بروتوكولات التمويل اللامركزي ، ودعم المدفوعات العابرة للحدود، وتمكين صانعي السوق من تحريك رؤوس الأموال بسرعة.
لكن هذا الدور -على أهميته- قد لا يكون كافيا لدعم النمو طويل الأجل للإيرادات مع اقتراب عام 2026.
ونقلت "إنفستنغ دوت كوم" في تعليقات حصرية عن مسؤولين تنفيذيين في شركتي "إف إس فيكتور"، و"ستايبل كور" أن العملات المستقرة -وهي رموز رقمية مصممة عادة لتتبّع الدولار الأميركي وتصدرها مؤسسات خاصة على شبكات بلوكتشين عامة- بدأت تتحول من مجرد أدوات تداول إلى بنية تحتية مالية أساسية.
وأشار التقرير إلى أن التحول المرتقب لن يكون مدفوعا بإصدار المزيد من العملات المستقرة، بل بما تتيحه "قنوات" هذه العملات من إمكانيات لتوجيه المعاملات والتنسيق والتسوية بين الأنظمة القائمة على السلسلة وخارجها.
وإذا تسارع هذا التحول فقد يعيد تشكيل الطريقة التي تحقق بها البنوك وشركات التكنولوجيا المالية ومزودو البنية التحتية إيراداتها، مع اندماج العملات المستقرة بشكل أعمق في تدفقات الاقتصاد الحقيقي.
وقال نيك إلدج الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للعمليات في "ستايبل كور" إن نقطة الضغط الأولى لهذا التحول قد تظهر لدى البنوك الإقليمية والمتوسطة التي اعتمدت تاريخيا على البنوك الكبرى وشبكات المراسلين لنقل الدولار عبر الحدود.
وأضاف إلدج في تصريحات نقلتها "إنفستنغ دوت كوم" أنه "في 2026 أتوقع أن تتوقف البنوك الإقليمية عن الاعتماد على البنوك الكبرى لإجراء التحويلات العابرة للحدود، ستُستخدم العملات المستقرة لتقديم خدمات تحويل أرخص بنسبة 90% وتتم تسويتها في ثوان، مما يقلب الهرمية التقليدية للمصارف المراسلة".
وأوضح أن الميزة الكبرى هي "الإتاحة"، إذ تعمل هذه القنوات على مدار الساعة، مما يسمح بتجاوز "نافذة عمل نظام فيدواير" (FedWire window) (نظام تسوية الأموال التابع للبنك المركزي الأميركي) التي تتوقف في عطلات نهاية الأسبوع.
وبنوك المراسلين نظام بنكي قديم، حيث يحتاج بنك صغير إلى بنك وسيط كبير لإتمام تحويل دولي، وهو نظام بطيء ومكلف.
من جانبها، رأت إميلي غودمان الشريكة في "إف إس فيكتور" أن إصدار العملات المستقرة سيظل عنصرا أساسيا، لكن التركيز الإستراتيجي في 2026 سيتحول إلى ما وصفته بـ"تنسيق المعاملات"، في إشارة إلى عملية إدارة وتوجيه المعاملة المالية عبر شبكات عدة مختلفة، مثلا من بنك تقليدي إلى محفظة رقمية لضمان وصولها وتسويتها.
وقالت غودمان "سيظل إصدار العملات المستقرة قاعدة مهمة لمنظومة الأصول الرقمية، لكن في 2026 سيبدأ التركيز الإستراتيجي بالتحول نحو تنسيق المعاملات المبنية على بنية العملات المستقرة".
وأضافت أن الفرصة الحقيقية لا تكمن في إصدار العملة نفسها، بل في إدارة كيفية انتقال المعاملات القائمة على العملات المستقرة بين شبكات البلوكتشين، والبنوك، وشبكات الدفع، والأنظمة التقليدية التي لا تتواصل فيما بينها بطبيعتها.
وتابعت "سيسعى المشاركون في السوق إلى التقاط القيمة من التنسيق والتوجيه والتسوية عبر البيئات القائمة على السلسلة وخارجها، وسنشهد تركيزا متزايدا على قابلية التشغيل البيني، أي المنصات التي تمتد عبر شبكات الدفع وبروتوكولات التمويل اللامركزي وأنظمة البنوك".
وأشارت "إنفستنغ دوت كوم" إلى أنه مع توسع استخدام العملات المستقرة في التدفقات المالية الرئيسية، مثل تحويلات البنوك، وإدارة الخزينة، وتسوية المنصات ستصبح المنظومة أكثر تشظيا، مع تعدد شبكات البلوكتشين والمُصدرين للعملات وقنوات الإدخال والإخراج والأطر التنظيمية.
هذا التشظي في النظام المالي -بحسب التقرير- سيخلق طلبا متزايدا على فئة جديدة من الخدمات التقنية تربط بين مكونات هذا النظام، وفي مقدمتها أدوات التشغيل البيني التي تعمل مترجما تقنيا يربط البنوك التقليدية بسلاسل البلوكتشين، وطبقات التوجيه التي تعمل كـ"جي بي إس" مالي لاختيار أسرع وأرخص مسار لنقل الأموال.
كما ستتعاظم أهمية أنظمة تنسيق التسوية لضمان إتمام المعاملات فورا وبلا أخطاء، جنبا إلى جنب مع تقنيات المراقبة اللحظية، وأنظمة إدارة الامتثال التي تضمن برمجة القوانين والرقابة داخل كل معاملة رقمية بشكل تلقائي.
وخلص التقرير إلى أن الشركات التي قد تحقق إيرادات مستدامة ليست بالضرورة تلك التي تستحوذ على أكبر حجم تداول مضاربي، بل تلك التي تنسق كيفية انتقال القيمة داخل نظام مالي هجين يتزايد تعقيده.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة