تونس- بمرور 15 سنة على اندلاع الثورة ضد النظام الدكتاتوري للرئيس السابق زين العابدين بن علي في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، تعيش تونس اليوم تجربة متقلبة، يرى مراقبون أنها أفضت إلى عودة الحكم الفردي وقمع الحريات وتوظيف القضاء لضرب المعارضين.
ويتجلى هذا التعثر في المحاكمات التي طالت المعارضين من مختلف الأحزاب، إلى جانب نشطاء المجتمع المدني وعدد من الصحفيين، والتي تُعد شواهد على عودة البلاد لفترة ما قبل 2011، حيث كانت السلطة تهيمن على القضاء لإسكات الأصوات المخالفة.
وبعد الزج مؤخرا بعشرات المعارضين فيما يعرف بـ" قضية التآمر على أمن الدولة 1″، التي تقول هيئة الدفاع إنها مفبركة لتصفيتهم، أصبح المشهد التونسي خاليا من أي نشاط حزبي أو سياسي، بعدما قضى الرئيس " قيس سعيد " على هذه الأجسام الوسيطة.
ويبرز ذلك من خلال إغلاق السلطة مقرات أحزاب وملاحقة قياداتها واعتقالهم وملاحقة ومنع عدد من المنظمات من النشاط، واستعمال المرسوم الرئاسي رقم (54) الصادر في سبتمبر/أيلول 2022 ويتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، كأداة للزج بالسياسيين والصحفيين والنشطاء في السجن بتهم تتعلق ببث أخبار كاذبة، وفق مراقبين.
وبالرغم من أن التعبير عن الرأي أو النقد العلني لرئيس الدولة أو مساره مخاطرة حقيقية قد تنتهي بالسجن أو التتبعات القضائية، فإن البلاد عاشت منذ 5 سنوات من الحكم الفردي حالة من الاحتجاج المستمر ضد سلطة الرئيس قيس سعيّد بلغت حد مطالبة البعض برحيله، وبتشكيل المحكمة الدستورية التي يقتضي وجودها سد أي فراغ دستوري في حال شغور منصب رئاسة الجمهورية.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي زياد الهاني، إن الخطر الأكبر يظل في تمسك الرئيس بالسلطة الفردية المطلقة في ظل عدم إنشاء هذه المحكمة، مما يجعل أي شغور مفاجئ في منصبه "مدخلا للفتنة يهدد الاستقرار الوطني والإقليمي".
ويواجه قيس سعيد انتقادات متزايدة لعدم تسمية أعضاء المحكمة الدستورية رغم مرور 4 سنوات على صياغة دستوره، مما يسمح له بالتفرد بالسلطة ويمنع الطعن بدستورية مراسيمه الاستثنائية، حسب محللين.
ويرى الهاني أن ما قام به الرئيس في 25 يوليو/تموز 2021 من إعلان التدابير الاستثنائية وتجميد البرلمان وإلغاء الدستور لم يكن مجرد انقلاب على دستور البلاد ومؤسساتها الشرعية، بل كان وأدا للثورة التونسية، معتبرا أن التمسك بالدفاع عن الديمقراطية والحريات هو الخيار الوحيد لاستعادة المسار الانتقالي الذي يتعرض في تجارب عديدة إلى بعض التراجع.
من جانبه، قال القيادي ب حركة النهضة رياض الشعيبي للجزيرة نت، إن مسار الانتقال الديمقراطي بعد الثورة ليس خطا مستقيما يتقدم في اتجاه واحد وإنما تتخلله اهتزازات وانتكاسات. وأكد أن تونس ليست استثناء في هذه التجارب، مشددا على ضرورة التمسك بالديمقراطية وحماية الحريات لمواجهة أي محاولة للعودة إلى الحكم الفردي.
وما تزال التجربة الديمقراطية في تونس -وفق الشعيبي- تقاوم محاولات الاستبداد، رغم الحملة الشرسة على الأحزاب والمنظمات والإعلام والتراجع الكبير في حرية التعبير وعودة الاعتقالات السياسية التي كان يُعتقد أنها انتهت بعد الثورة.
ويرى أن هذا الصمود يعكس إرادة شعبية مستمرة للدفاع عن مكتسبات الثورة، لا سيما الحريات الأساسية، ويشكل رسالة واضحة بأن التراجع المؤقت لن يقضي على الطموح الديمقراطي.
وأشار الشعيبي إلى أن هناك إجماعا سياسيا على خطورة ما يحدث منذ 5 سنوات من "الحكم الفردي للرئيس سعيد"، مؤكدا أن نسفه للتداول السلمي على السلطة وإلغاء دستور 2014، إلى جانب إقصاء خصومه وتلفيق قضايا ضدهم، جعل من التغيير عبر صناديق الانتخابات في 2024 مستحيلا. وأضاف أنه "لم يبق للتونسيين خيار إلا الخروج للتعبير عن رفضهم للاستبداد والمطالبة باستئناف المسار الديمقراطي".
في المقابل، يرى مؤيدو سعيدـ بعد مرور 15 سنة على الثورة، أن العشرية الماضية شهدت فشل الأحزاب في إدارة الدولة، وانتشار الفساد والمحسوبية، وارتفاع "الاعتداءات الإرهابية" التي هزت استقرار البلاد، معتبرين أن تدخله خطوة ضرورية لتصحيح مسار الثورة.
ويؤكدون أنه شخصية نزيهة منحازة للشعب، وأن قراراته الاستثنائية تهدف إلى حماية الدولة من الانهيار السياسي والاقتصادي، وتعكس تحركا مباشرا لإنهاء حالة الفوضى السياسية وتعزيز سيادة القانون.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة