آخر الأخبار

عملية "مترون".. كيف فككت تركيا أحدث شبكات الموساد؟

شارك

كشفت السلطات التركية فجر يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن واحدة من أخطر قضايا التجسس في السنوات الأخيرة، بعدما أعلنت أجهزة الأمن والاستخبارات عن تفكيك خلية تعمل لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي داخل الأراضي التركية.

فقد تمكنت المخابرات التركية بالتعاون مع شرطة إسطنبول، من اعتقال المواطن التركي محمد فاتح كيليش (المعروف باسم سركان تشيتشيك) بعد ثبوت تورطه في العمل لصالح الموساد مقابل مبالغ مالية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 "بلير العرب".. من دمار العراق إلى "غيتا" غزة
* list 2 of 2 عامان على حرب الإبادة في غزة.. حصيلة المأساة الإنسانية تتكشف end of list

وأظهرت التحقيقات أن كيليش تلقى 4000 دولار مقابل مراقبة ناشط فلسطيني مقيم في إسطنبول يُعرف بمعارضته للسياسات الإسرائيلية في الشرق الأوسط . وتم الاعتقال في إطار عملية أمنية سرية حملت اسم "مترون"، خطّط لها بعناية جهاز الاستخبارات التركي والنيابة العامة وفرع مكافحة الإرهاب في شرطة إسطنبول.

ووفق مصادر أمنية تحدثت للصحافة المحلية، فإن تحركات كيليش كانت تخضع لمراقبة دقيقة على مدى أسابيع، قبل أن يُلقى القبض عليه متلبسا أثناء محاولته تنفيذ مهمته التجسسية.

بهذا التطور، تكشف تركيا عن قضية تجسس معقدة تشابكت فيها خيوط الأمن والسياسة، إذ تمتد جذورها إلى عمليات تجنيد مواطنين أتراك لصالح الموساد، وتشمل أيضا شخصيات متورطة في تسريب معلومات شخصية حساسة.

خلفية المتهم

برز اسم محمد فاتح كيليش إلى الواجهة بعد اعتقاله في إسطنبول بتهمة التجسس لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي. وتشير التحقيقات إلى أن كيليش كان يمر بأزمة مالية خانقة نتيجة فشله في التجارة وتراكم الديون عليه، الأمر الذي دفعه إلى تغيير هويته واعتماده اسم سركان تشيتشيك، في محاولة للتهرب من تبعات ماضيه الاقتصادي وفتح صفحة جديدة.

مصدر الصورة محمد فاتح كيليش بدل اسمه إلى سركان تشيتشيك بعد أن مر بأزمة مالية (الصحافة التركية)

وبعد تخليه عن نشاطه التجاري، اتجه إلى العمل في مجال التحريات الخاصة، فأسس عام 2020 مكتبا باسم "باندورا للتحريات"، وبدأ مزاولة مهنة التحقيق الميداني التي منحته شبكة واسعة من المعارف وخبرة في المراقبة والمتابعة. غير أن هذا العمل الذي أتاح له الوصول إلى معلومات شخصية وحساسة، جعله محط أنظار جهات استخباراتية أجنبية رأت في خبرته الميدانية ونزوعه المالي أرضا خصبة للتجنيد.

إعلان

وخلال فترة عمله كمحقق خاص، نسج كيليش علاقات مع شخصيات تتاجر بالمعلومات السرية، أبرزهم موسى كوش، الذي أُدين لاحقا بالتجسس لصالح إسرائيل وحُكم عليه بالسجن 19 عاما، والمحامي طغرل هان ديب، الذي كان يستغل موقعه القانوني للحصول على بيانات شخصية من السجلات الرسمية وبيعها لجهات خارجية مقابل المال.

وقد شكلت هذه الدائرة من العلاقات المشبوهة الممر الذي عبر منه كيليش إلى عالم التجسس المنظم، لتبدأ فصول ارتباطه المباشر بشبكة تعمل لصالح الموساد على الأراضي التركية.

بداية التجنيد

وبحسب وسائل إعلام تركية، تشير المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن التركية إلى أن نقطة التحول في مسار محمد فاتح كيليش جاءت يوم 21 يوليو/تموز الماضي، حين تلقى عبر تطبيق مراسلة عرضا مشبوها من شخص عرّف عن نفسه باسم فيصل رشيد.

وقد تبين لاحقا أن هذا الاسم لم يكن سوى هوية وهمية لضابط في وحدة العمليات الإلكترونية التابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي، استخدم غطاء "موظف في مكتب محاماة أجنبي" للتقرب من كيليش وكسب ثقته. وخلال هذا التواصل الأول، عرض عليه تنفيذ مهمة تجسسية داخل تركيا مقابل مبلغ مالي مغرٍ، مستغلا أزمته المالية وخبرته في مجال التحريات الخاصة.

ورغم إدراك كيليش لخطورة العرض ومعرفته المسبقة بما جرى لأحد معارفه، وهو موسى كوش، فإنه قبِل المهمة دون تردد، لتبدأ منذ تلك اللحظة علاقته التنظيمية مع الموساد.

ومنذ تجنيده، أصبح كيليش يتلقى تعليماته مباشرة من مشغليه عبر وسائل اتصال إلكترونية مشفرة، في محاولة لتجنب أي تعقب من قبل الأجهزة الأمنية التركية.

وتشير مصادر استخباراتية إلى أن الموساد يعتمد منذ سنوات على تطبيقات التواصل الإلكتروني لتجنيد عملاء محليين في تركيا، خصوصا لمتابعة نشاطات الفلسطينيين والمعارضين العرب المقيمين فيها. وفي حالة كيليش، مثّل غطاء "مكتب المحاماة الأجنبي" أداة فعالة لكسب ثقته، حيث تولى فيصل رشيد تزويده بمعلومات دقيقة عن الهدف المطلوب مراقبته وتعليماتٍ تتعلق بآلية التواصل وتبادل البيانات.

ومع اكتمال هذا الإعداد، تكونت حلقة استخباراتية سرية بين كيليش والموساد، فتلقى أول مهمة رسمية له بصفة "عميلا ميدانيا"، ليبدأ بذلك أخطر فصل في مسيرة التجسس التي جرى إحباطها لاحقا في إسطنبول.

المهمة الأولى

كانت المهمة الأولى التي أوكلها جهاز الموساد إلى محمد فاتح كيليش ذات طابع سياسي حساس، إذ كُلف بمراقبة ناشط فلسطيني يقيم في مدينة إسطنبول ويُعرف بمواقفه المعارضة للسياسات الإسرائيلية في الشرق الأوسط.

مصدر الصورة كاميرات المراقبة وثقت مراقبة عميل "الموساد" الإسرائيلي محمد فاتح كيليش منزل الناشط الفلسطيني (الصحافة التركية)

وبحسب ما ورد في التحقيقات، فإن هذا الناشط كان يقيم في منطقة "باشاك شهير" التي تعرف بكثرة سكانها العرب في مجمع سكني قالت بعض المصادر الصحفية إنه يضم أيضا شخصيات من حركة حماس ، مما جعل وجوده محط اهتمام كبير بالنسبة للموساد الذي يعتبر الحركة أحد أبرز خصومه.

وتشير هذه المعطيات إلى أن الجهاز أراد من خلال تلك المهمة جمع معلومات عن الناشط الفلسطيني، وربما عن محيطه من المقيمين في المجمع ذاته، وهو ما يفسر إصراره على تنفيذ عملية مراقبة دقيقة ومستمرة لمدة 4 أيام.

إعلان

في المقابل، عرض العميل الإسرائيلي المعروف باسم فيصل رشيد على كيليش مبلغا قدره 4000 دولار تُحوّل عبر عملة رقمية لتجنّب التتبع المالي، وذلك بتاريخ 1 أغسطس/آب الماضي. وبعد تسلمه المبلغ وتعليمات المهمة، بدأ كيليش بجمع المعلومات المتوفرة عن الهدف، فبحث عبر الإنترنت وتبين له أن الشخص المطلوب ناشط فلسطيني بارز له ارتباطات بحركات سياسية تعتبرها إسرائيل معادية.

بدأ كيليش بتنفيذ المهمة وفق التعليمات المرسلة إليه، فركز على رصد تحركات الناشط الفلسطيني ومراقبة المكان الذي يقيم فيه، جامعا ما أمكن من تفاصيل ميدانية وصور عن محيط السكن والمبنى والمداخل والمرافق المحيطة. فكانت هذه المهمة بالنسبة للموساد اختبارا أوليا لمدى كفاءته واستعداده لتنفيذ عمليات ميدانية لاحقة، غير أن ما لم يكن في حساباته أن تحركاته باتت منذ البداية تحت مراقبة دقيقة من أجهزة الاستخبارات التركية التي كانت ترصد اتصالاته وتحركاته خطوة بخطوة حتى لحظة إلقاء القبض عليه.

مراقبة فاشلة

بحسب اعترافات كيليش، بدأت مهمته التجسسية وسط غطاء من السرية والحذر، بعد أن تسلم من مشغليه الإسرائيليين عنوان الهدف في منطقة باشاك شهير بإسطنبول. توجه في اليوم الأول إلى الموقع المحدد محاولا رصد الناشط الفلسطيني المستهدف، لكنه فشل في العثور عليه أو التأكد من هويته داخل المجمع السكني الكبير.

عندها لجأ إلى خطة تمويهية للتغلغل داخل المكان، فخلال اليومين التاليين دخل المجمع السكني متظاهرا بأنه زبون يبحث عن شقة للإيجار، مما أتاح له التحرك بحرية أكبر دون إثارة الشبهات. ومن خلال هذا الغطاء، بدأ بجمع المعلومات الميدانية ومراقبة المداخل والمخارج ونقاط الحراسة، ملتقطا صورا ومقاطع فيديو توثق تفاصيل المكان والشقق المحيطة بالهدف.

وتشير التحقيقات إلى أن كيليش استخدم هاتفه المحمول لتصوير كاميرات المراقبة وترتيبات الأمن وحركة السكان، تنفيذا لتعليمات ضابط الموساد فيصل رشيد الذي طلب منه جمع أكبر قدر ممكن من التفاصيل البصرية خلال مدة التكليف البالغة 4 أيام. ورغم الجهد الذي بذله، لم يتمكن من الحصول على أي معلومة حاسمة أو ملاحظة مباشرة للهدف، إذ يُعتقد أن الناشط الفلسطيني كان متواريا أو حذرا خلال تلك الفترة.

مصدر الصورة عميل "الموساد" الإسرائيلي محمد فاتح كيليش أو "سركان تشيتشيك" خلال تجوله في محيط سكن الناشط الفلسطيني في إسطنبول (صورة من كاميرات المراقبة موزعة على وسائل الإعلام التركية)

وبعد انتهاء المدة المحددة، قرر المشغل الإسرائيلي قطع الاتصال بكيليش وإنهاء المهمة بعدما تبيّن له فشل العميل في جمع مادة استخباراتية ذات قيمة. ترك ذلك كيليش في موقف محرج أمام مشغليه، إذ انتهت أولى مهامه دون نجاح يذكر، وإن كان قد احتفظ بمبلغ 4000 دولار الذي تسلمه مسبقا، مبررا لاحقًا في التحقيقات أن دوافعه كانت مالية بحتة، وأنه لم يكن يعنيه نجاح المهمة أو فشلها ما دام المقابل قد حصل عليه.

عملية مترون

بعد أسابيع من المتابعة والرصد، تمكنت فرق الاستخبارات من جمع أدلة رقمية وميدانية تؤكد تواصل كيليش مع ضباط الموساد، ومن ثم أطلقت عملية سرية حملت الاسم "مترون" بتنسيق بين جهاز الاستخبارات وشرطة إسطنبول ونيابة أمن الدولة. ومع اكتمال الأدلة، حصلت النيابة على إذن قضائي لمداهمة المواقع التي يتردد عليها المشتبه بهما.

وفي فجر 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفذت وحدات مشتركة من الاستخبارات ومكافحة الإرهاب 3 مداهمات متزامنة في إسطنبول، استهدفت أماكن مرتبطة مباشرة بالمشتبه بهما. وبفضل عنصر المفاجأة، تمكنت القوات من اعتقال كيليش متلبسا في أحد المواقع التي استخدمها لمتابعة اتصالاته، كما ألقي القبض على المحامي طغرل هان ديب في منزله بينما كان يحاول مغادرته بعدما تبين أنه أحد مزودي الموساد بالمعلومات الحساسة.

إعلان

وكشفت التحقيقات اللاحقة أن المحامي ديب لم يكن مجرد وسيط عابر، بل أحد العناصر المحورية في شبكة التجسس، إذ كان يستغل خبرته القانونية ونفوذه للوصول إلى قواعد بيانات رسمية تتضمن معلومات حساسة مثل سجلات العناوين وأرقام الهواتف والمعاملات المصرفية. وباستخدام نظام غير قانوني للاستعلام، أنشأ ديب ما يشبه قاعدة معلومات موازية كان يبيعها مقابل مبالغ مالية لمحققين خاصين يعملون مع الموساد.

وتشير الأدلة إلى أنه تعاون لسنوات مع عدة جواسيس داخل تركيا، أبرزهم موسى كوش، الذي أدين سابقا بالتجسس لصالح إسرائيل وحكم عليه بالسجن 19 عاما. كما أظهرت السجلات المالية تحويلات متكررة بين ديب وعدد من العملاء الذين كانوا ينفذون مهام ميدانية مشابهة.

وتؤكد المصادر الأمنية أن ديب كان حلقة الوصل بين الموساد وشبكات محلية من المحققين الخاصين، حيث يزودهم بالمعلومات الشخصية المطلوبة ثم تُسلم هذه البيانات إلى مشغليهم الإسرائيليين. وأوضحت التقارير أنه تلقى الأموال نقدا أو عبر وسطاء لضمان السرية، وأنه حاول بعد اعتقال موسى كوش عام 2022 إخفاء آثاره بمسح بيانات حاسوبه وإتلاف بعض الملفات الحساسة، غير أن التحقيقات التقنية لاحقا أعادت تتبع نشاطه وكشفت دوره.

مصدر الصورة اعتقال المحامي طغرل هان ديب، الذي باع معلومات لمحققي الموساد في مجال التجسس، في إسطنبول (الصحافة التركية)

وبعد توقيفه، عُرض مع كيليش على النيابة العامة التي بدأت تحقيقا موسعا، وضبطت في أجهزته الرقمية كمية ضخمة من البيانات الشخصية يجري تحليلها للكشف عن مزيد من المتورطين.

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبعد 3 أيام من الاستجواب وتحليل الأدلة، مثل كيليش وديب أمام القضاء، الذي قرر حبسهما احتياطيا بتهمة "جمع معلومات ينبغي أن تبقى سرية بقصد التجسس السياسي والعسكري".

وتُعد هذه التهمة من الجرائم الماسة بأمن الدولة وفق القانون التركي، وقد تصل عقوبتها إلى السجن سنواتٍ طويلة. وبهذه العملية الدقيقة، نجحت الأجهزة التركية عبر عملية "مترون" في تفكيك شبكة تجسس متكاملة تمتد من العميل الميداني إلى المزود بالمعلومات، مؤكدة مرة أخرى قدرتها على إحباط محاولات الاختراق الاستخباراتي الأجنبي داخل البلاد قبل أن تلحق أي ضرر بالأمن الوطني.

اعتراف مرتبك

عقب إلقاء القبض عليه، خضع محمد فاتح كيليش لتحقيقات مطولة كشفت كثيرا من تفاصيل علاقته بجهاز الموساد وأسباب تورطه في التجسس. حاول خلال استجوابه أمام المدعين العامين التقليل من خطورة ما قام به، مدعيا أنه لم يكن ينوي فعليا العمل لصالح دولة أجنبية، بل تعامل مع المهمة باعتبارها عملية احتيال مالي على العميل الإسرائيلي.

وقال إنه قبل العرض بهدف الحصول على المال فقط ثم الانسحاب دون تنفيذ التعليمات، وإنه بعد استلامه مبلغ 4000 دولار لم ينفذ أي عمل تجسسي، زاعما أنه وقع ضحية إغراء مالي لا أكثر، وأنه لم يكن يحمل أي نية للإضرار بأمن بلاده أو التعاون مع الموساد بدافع الولاء.

غير أن المحققين واجهوه بأدلة دامغة تنقض روايته بالكامل، فقد كشفت وثائق التحقيق أن سجل محادثاته مع ضابط الموساد فيصل رشيد يثبت أنه استمر في التواصل معه حتى بعد فشل مهمته الأولى، وأبدى رغبة واضحة في الحصول على مهام جديدة مقابل مبالغ إضافية، مما يدل على أنه كان جادا في الاستمرار بالعمل مع الموساد وليس مجرد محتال لمرة واحدة.

كما أظهرت التحقيقات أن كيليش يملك سجلا جنائيا سابقا يضعف مصداقيته، إذ تبين أنه مطلوب للعدالة في ولاية شرناق بتهمتي التزوير والاحتيال قبل تورطه في قضية التجسس.

هذا السجل الإجرامي -وفق جهات التحقيق- يوضح أن دافعه الأساسي كان المنفعة المادية السريعة وليس الولاء السياسي أو الأيديولوجي، وأنه لم يتردد في بيع المعلومات والخدمات للموساد مقابل المال. ومع تراكم الأدلة التقنية والميدانية التي تؤكد تنفيذ مهام المراقبة وتسلم الأموال، وجد كيليش نفسه أمام اتهامات خطيرة بموجب قانون أمن الدولة، ومن المستبعد أن تقبل المحكمة تبريراته بأنه لم يكن جاسوسا فعليا، بعدما ثبت تورطه الكامل في الأنشطة الميدانية لصالح جهاز استخبارات أجنبي.

شبكة أوسع

لم تتوقف التحقيقات التركية عند اعتقال محمد فاتح كيليش والمحامي طغرل هان ديب، إذ أكدت مصادر أمنية أن خيوط القضية لا تزال تمتد إلى مشتبه بهم آخرين يُعتقد أنهم شركاء في الشبكة.

إعلان

فقد أعلنت السلطات أن هناك شخصا ثالثا فارا على صلة مباشرة بالمجموعة، وتُواصل الفرق الأمنية تعقبه تمهيدا لاعتقاله، بينما لم تكشف هويته بعد.

مصدر الصورة المحامي طغرل هان ديب كما بدا أثناء اعتقاله (الصحافة التركية)

وتشير التحليلات إلى أن استمرار وجود هذا العنصر خارج السيطرة قد يعني أن الشبكة أوسع مما ظهر حتى الآن، وأنها ربما تضم خلايا أخرى تعمل بطريقة مشابهة. كما يرجح أن يؤدي تحليل البيانات الرقمية التي ضبطت في أجهزة المحامي ديب إلى الكشف عن مزيد من الأسماء والعلاقات، الأمر الذي يجعل الملف مفتوحا على احتمالات جديدة.

ولا تعد قضية كيليش حادثة منفردة، بل حلقة في سلسلة طويلة من عمليات التجسس الإسرائيلية التي أحبطتها تركيا خلال الأعوام الأخيرة. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، أي قبل أسابيع من اعتقال كيليش، أصدرت محكمة تركية أحكاما بالسجن تتراوح بين 6 و8 سنوات بحق 37 شخصا أدينوا بالتجسس لصالح الموساد، ضمن شبكة كبيرة جرى تفكيكها بعدما تبين أنها كانت تجمع معلومات عن مواطنين فلسطينيين ومنظمات عربية داخل تركيا منذ عام 2022.

وفي مارس/آذار 2024، اعتقل 7 أشخاص -بينهم موظفون حكوميون سابقون- بتهمة بيع معلومات سرية للموساد، كان أبرزهم حمزة تورهان أيبرك، وهو محقق خاص تلقى تدريبا استخباراتيا في صربيا عام 2019، واستخدم أجهزة اتصال مشفرة، وزرع أجهزة تتبع في سيارات شخصيات فلسطينية مستهدفة مقابل مبالغ مالية تُحوّل بالعملات الرقمية.

كما شهد سبتمبر/أيلول 2024 اعتقال الأجنبي ليريدون ريغبي، الذي ثبت أنه يدير شبكة تمويل لعملاء الموساد في تركيا عبر تحويل الأموال من دول البلقان، لا سيما كوسوفو وشرق أوروبا. وقد استخدمت هذه الشبكة التمويل لتغطية نفقات العملاء الميدانيين الذين كلفوا بجمع معلومات عن الساحة السورية والفلسطينية.

أساليب بديلة

يرى المحلل السياسي التركي علي أسمر أن ما يجري بين أنقرة وتل أبيب هو امتداد لحرب استخباراتية قديمة تعود إلى ما قبل الحرب الإسرائيلية على غزة، موضحا أن إسرائيل منزعجة من تنامي الدور التركي الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته تعجز عن الدخول في مواجهة مباشرة مع أنقرة لأسباب تتعلق بواقعها الدبلوماسي والعسكري، وعلى رأسها كون تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

علي أسمر: إسرائيل تحاول إرباك تركيا (الجزيرة)

وأضاف أسمر في حديث للجزيرة نت، أن تل أبيب -بسبب هذه المعادلة- تلجأ إلى أساليب خفية وعمل استخباراتي غير مباشر للتأثير على تركيا وإرباكها أمنيا، وقد تجلى ذلك في تفكيك العديد من خلايا الموساد داخل الأراضي التركية خلال السنوات الماضية.

وأشار إلى أن محاولات إسرائيل اغتيال شخصيات فلسطينية مقيمة في تركيا بعد اندلاع الحرب على غزة باءت جميعها بالفشل، مما دفع الاستخبارات الإسرائيلية إلى تغيير تكتيكاتها والاعتماد على تجنيد بعض المواطنين الأتراك بدلا من الأجانب، لتقليل الكلفة السياسية وتجنب الإحراج أمام أنقرة ودول الناتو .

ويرى أسمر أن هذه المحاولات الجديدة أيضا لم تحقق أي نجاح يذكر، إذ تمكنت الاستخبارات التركية من كشف الشبكة الأخيرة. وخلص إلى القول إن هذه التطورات أصابت الموساد بإحباط متزايد بعدما فشل سابقا في استخدام عملاء أجانب، وعناصر من تنظيم الدولة، وحتى عناصر من حزب العمال الكردستاني .

واعتبر أسمر أن ما يميز الأداء التركي هو العمل بصمت وفاعلية في مواجهة هذه الشبكات المشبوهة، مما جعل إسرائيل -على حد وصفه- في مأزق استخباراتي حقيقي أمام القدرات الأمنية التركية المتقدمة.

كفاءة استخباراتية

من جانبه، يرى الخبير الأمني بلال يوزغاتلي أن تكرار الكشف عن شبكات تجسس مرتبطة بالموساد لا يعكس ضعفا في المنظومة الأمنية التركية، بل يؤكد اتساع نطاق الاستهداف الاستخباراتي لإسرائيل داخل تركيا.

وأضاف يوزغاتلي في حديث للجزيرة نت، أن نجاح أنقرة في تفكيك هذه الخلايا على نحو متكرر يظهر مستوى التطور الذي بلغته الأجهزة التركية في مجال الرصد والتحليل الإلكتروني، إذ باتت تمتلك أدوات تقنية متقدمة قادرة على كشف الاتصالات المشفرة وتتبع التحويلات المالية الرقمية التي تعتمدها الشبكات الأجنبية في تمويل عملائها وإخفاء آثارها.

وأكد أن هذه النجاحات ليست دليلا على وجود ثغرات أمنية، بل -على العكس- تُبرهن على كفاءة منظومة الاستخبارات التركية وقدرتها على إحباط الاختراقات في مراحلها الأولى قبل أن تتحول إلى تهديد فعلي. ومع ذلك، شدد يوزغاتلي على ضرورة تعزيز الرقابة على القطاعات المدنية الحساسة.

وحول الرد التركي الرسمي المتوقع على هذه العمليات، اكتفى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الجوية التركية غورسال توكماك أوغلو بالتعليق للجزيرة نت قائلا "مثل هذه الأمور تحدث دائما، فهذه منطقة الشرق الأوسط".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب حماس اسرائيل

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا