في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
مع دخول حرب غزة عامها الثاني، يتزايد الشعور بأن إنهاء هذا الصراع يبدو أبعد من أي وقت مضى، في ظل تباين استراتيجيات الأطراف المعنية، وتشابك المصالح السياسية والعسكرية، مقابل كارثة إنسانية يعيشها سكان القطاع الذين باتوا الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.
وبينما يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هدفه الأساسي هو "القضاء على حماس وتحرير الرهائن"، يرى محللون أن الحرب تجاوزت حدود المواجهة مع الحركة لتتحول إلى عملية منظمة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإحداث تغيير ديمغرافي في غزة.
المدنيون.. وقود حرب بلا نهاية
الصور القادمة من القطاع تختصر مأساة إنسانية تتفاقم كل يوم: آلاف المباني المدمرة، عائلات مشردة في العراء، ونقص حاد في الغذاء والدواء.
ووفق تقديرات منظمات إنسانية، فإن أكثر من 80 بالمئة من سكان غزة نزحوا عن منازلهم، فيما يواجه مئات الآلاف خطر المجاعة، وسط انهيار كامل في الخدمات الصحية والتعليمية.
ويصف أستاذ العلوم السياسية أمجد شهاب المشهد بالقول: "ما يحدث ليس حرباً بين طرفين متكافئين، بل هو عملية تدمير شامل وتهجير جماعي"، مضيفاً أن "حماس قدمت تنازلات خلال مفاوضات القاهرة، وقبلت مقترحات لوقف إطلاق النار من دون شروط، لكنها وُوجهت برفض إسرائيلي مستمر".
ويؤكد شهاب أن "هدف إسرائيل يتجاوز مسألة حماس، فهي تسعى للسيطرة على موارد القطاع وأبرزها أبار الغاز، وتنفيذ مشروع استيطاني أوسع".
نتنياهو بين البقاء السياسي والضغط الدولي
في المقابل، يرى مندي صفدي، رئيس مركز صفدي للدبلوماسية الدولية وعضو مركزي في حزب الليكود، أن "نتنياهو كان واضحاً منذ اليوم الأول: لا عودة عن هدف القضاء على حماس وتحرير الرهائن".
ويقول في حديثه إلى سكاي نيوز عربية من تل أبيب: "تم بالفعل تحرير معظم المختطفين والقضاء على قيادات أساسية في حماس"، لكنه يحمّل دولا مسؤولية إطالة أمد الأزمة.
ويضيف صفدي: "الضحايا المدنيون يسقطون لأن حماس تتعمد التواجد بين السكان العزل، لكنه نفى بشدة أن تكون إسرائيل تسعى لتهجير سكان غزة، مؤكداً أن الحديث يدور حول "مناطق آمنة مؤقتة"، على حد وصفه.
إلا أن مراقبين يرون أن استمرار الحرب يخدم أهدافاً سياسية لنتنياهو، إذ تمنحه ذريعة لتأجيل الملفات الداخلية الساخنة، مثل محاكمات الفساد التي تلاحقه، وأزمة الاحتجاجات ضد حكومته.
وفي الوقت نفسه، يعزز من قدرته على مخاطبة اليمين الإسرائيلي المتشدد الذي يطالب بمواصلة العمليات حتى "القضاء التام على حماس".
حماس بين الاستنزاف والمعاناة الشعبية
من جهة أخرى، يجد سكان غزة أنفسهم في مواجهة مزدوجة: آلة عسكرية إسرائيلية لا تتوقف، وقيادة لحركة حماس تتبنى استراتيجية تقوم على "الصمود والاستنزاف"، لكنها تترك المدنيين عرضة لكلفة باهظة.
ويشير أستاذ العلوم السياسية، حامد فارس، إلى أن "ما جرى في السابع من أكتوبر كان مغامرة غير محسوبة من حماس، وضعت المدنيين في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي".
ويضيف فارس الذي تحدث لسكاي نيوز عربية من القاهرة: " قطاع غزة كان شبه دولة بمؤسساتها وخدماتها، لكنه اليوم تحول إلى أرض بور، بلا كهرباء ولا مياه ولا مستشفيات عاملة بشكل كامل".
ويرى أن "إسرائيل استفادت تاريخياً من وجود حماس كذريعة لتكريس الانقسام الفلسطيني وإضعاف السلطة، ومن مصلحة نتنياهو إبقاء الحركة ضعيفة، لكنها موجودة، لتظل ذريعة لاستمرار الحرب".
معاناة إنسانية تتجاوز حدود غزة
الانعكاسات الإنسانية للحرب لا تتوقف عند حدود القطاع. فمصر تواجه ضغوطاً متزايدة مع تزايد الحديث عن " التهجير"، وهو ما ترفضه القاهرة بشكل قاطع، مؤكدة أن أي نزوح جماعي من غزة سيعني عملياً تصفية حق العودة وإلغاء القضية الفلسطينية.
ويقول فارس: " مصر أعلنت بوضوح أن نقل السكان إلى سيناء خط أحمر، لأنه سيغيّر جذرياً من طبيعة الصراع".
وعلى الجانب الآخر، يشير شهاب إلى أن "المجتمع الدولي لم يمارس ضغطاً كافياً على إسرائيل لوقف استهداف المدنيين"، لافتاً إلى أن "المجازر اليومية أدت إلى انهيار البنية التحتية المدنية، وخلقت جيلا جديدا من الفلسطينيين يعيش صدمة نفسية ومعاناة مستمرة".
حرب مفتوحة على المجهول
وبينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية، وتتمسك حماس بخيار الاستنزاف، يبقى سكان غزة هم الخاسر الأكبر. فقد تجاوز عدد القتلى والجرحى عشرات الآلاف، فيما باتت غالبية الأسر تعيش على المساعدات المحدودة التي تدخل عبر المعابر.
ويقول أحد سكان غزة في شهادة: "لم يعد لدينا شيء نخسره، فقدنا منازلنا وأقاربنا، وكل يوم نعيش على أمل أن يتوقف القصف ولو ليوم واحد".
تتلاقى شهادات المدنيين مع تحليلات الخبراء التي تؤكد أن الحرب باتت عصية على الحسم. فبينما يصر نتنياهو على أن العمليات العسكرية "تفرض شروط التفاوض"، ترى أطراف فلسطينية أن استمرار الحرب يخدم أجندات إسرائيلية أوسع من مجرد مواجهة مع حماس.
معادلة معقدة بلا أفق
في ضوء ذلك، تبدو فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ضعيفة. فمن جهة، لا تُظهر إسرائيل استعداداً لوقف عملياتها قبل تحقيق "أهدافها الكاملة"، ومن جهة أخرى، لا تبدو حماس في وارد الاستسلام أو التنازل عن موقعها في غزة. وفي المنتصف، يقف المدنيون الفلسطينيون بين مطرقة القصف وسندان الحصار، فيما يتضاءل الأمل بحل قريب.
ومع استمرار النزيف الإنساني، يتزايد إدراك المجتمع الدولي بأن "الحل العسكري وحده لن يحقق الأمن"، كما يقول الدكتور فارس، الذي يضيف: "الحسم العسكري مستحيل، والبديل الوحيد هو تسوية سياسية تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية وتمنح المدنيين فرصة للحياة".
لكن، حتى إشعار آخر، تبقى غزة رهينة صراع استراتيجي تتشابك فيه الحسابات السياسية مع الأبعاد الأيديولوجية والدينية والاقتصادية، فيما يدفع المدنيون الثمن الأكبر من أرواحهم ومعاناتهم اليومية.