آخر الأخبار

صانع ملوك أم زعيم معارضة؟ غاتشاغوا يخلط أوراق السياسة بكينيا

شارك

شهد مطار جومو كينياتا الدولي في نيروبي، يوم الخميس، مشهدا سياسيا بامتياز، حين استقبل آلاف من أنصار ريغاثي غاتشاغوا نائب الرئيس الكيني السابق عودته إلى العاصمة في مظاهرة حاشدة تجاوزت الطابع الاحتفالي لتتحول إلى إعلان سياسي صاخب.

فقد تحدى المحتشدون الطوق الأمني، وأغلقوا طريق مومباسا الحيوي، واشتبكوا مع قوات الشرطة وسط هتافات غاضبة وغاز مسيل للدموع، في مشهد وصفته صحيفة أفريكا روبرت بأنه "أشبه بساحة معركة".

عكس هذا الاستقبال الصاخب مفارقة لافتة، إذ بعد مرور 10 أشهر فقط على إقالته من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2024، عاد غاتشاغوا ليكرّس نفسه كلاعب سياسي مؤثر في دورة الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، مستفيدا من موقعه الجديد خارج منظومة الحكم، حيث أسس حزب "الديمقراطية من أجل المواطنين"، وبدأ باستقطاب نواب وسيناتورات وناشطين من حزب الرئيس وليام روتو الحاكم "تحالف الوحدة الديمقراطية".

مصدر الصورة أنصار ريغاثي غاتشاغوا أثناء استقباله بمطار جومو كينياتا الدولي في نيروبي (رويترز)

جبل كينيا.. معقل النفوذ الانتخابي

يعتمد غاتشاغوا في خطابه السياسي على سردية تقول إن منطقة جبل كينيا، ذات الثقل التصويتي الأكبر في البلاد، "خُدعت" حين دعمت روتو في انتخابات 2022، ويجب أن تصحح هذا الخطأ.

وهو بذلك يستثمر في الدور الحاسم الذي لعبه في صعود روتو إلى السلطة، حين نجح في تأمين غالبية أصوات الكيكويو، ما عوّض ضعف روتو في مناطق أخرى.

ويقول المحلل السياسي كيفن أوتشول، في تصريح لأفريكا روبرت: "غاتشاغوا يدرك أنه لا يستطيع الفوز بالرئاسة خارج معقله في جبل كينيا، لكنه في الوقت ذاته يمثل رقما صعبا في أي تحالف يسعى لمنافسة روتو في 2027″.

لطالما كانت منطقة جبل كينيا، التي نادرا ما تنتج زعماء معارضين، العامل الحاسم في ترجيح كفة التحالفات الرئاسية، وهو ما يجعل غاتشاغوا، الذي يصف نفسه بـ"حارس البوابة" في وسط كينيا، عنصرا لا يمكن تجاهله في الحسابات السياسية لكل من روتو، وحلفاء رايلا أودينغا، وكالونزو موسيوكا.

من خطاب عرقي إلى ادعاء وطني

رغم قدرته على تعبئة الجماهير في وسط كينيا، يواجه غاتشاغوا انتقادات تتعلق بانحصار خطابه في المصالح العرقية والقبلية، ما يحد من جاذبيته على المستوى الوطني.

إعلان

لكنه في مقابلة تلفزيونية يوم الثلاثاء 27 أغسطس/آب مع قناة "سيتزن تي في"، نفى هذه الاتهامات، مؤكدا أنه "وطني لا قبلي"، وقال: "حبّي لمجتمعي لا يعني أنني أكره الآخرين".

وأشار إلى دعمه السابق لروتو في انتخابات 2022، رغم أنه لا ينتمي إلى قبيلته، كدليل على تجاوزاته للخطاب العرقي.

كما استشهد برحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة ، حيث خاطب مجموعات من مختلف الأعراق، مؤكدا أن "الدستور يعترف بالتنوع الإثني في كينيا، ويجب أن نفخر به".

لكن تصريحاته تلك لم تمر دون انتقادات، إذ واجهته شابة من حركة "625" الشبابية خلال لقاء في بالتيمور، محذّرة من أن "الخطاب الإثني يهدد وحدة البلاد"، وانتقدت افتتاحه للقاء بلغة الكيكويو، معتبرة ذلك "إشارة خاطئة".

مصدر الصورة دعم ريغاثي غاتشاغوا الرئيس روتو (يسار) في انتخابات 2022 رغم أنه لا ينتمي لقبيلته (أسوشيتد برس)

من ضحية إلى مرشح رئاسي

في المقابلة ذاتها، أعلن غاتشاغوا رسميا عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2027، قائلا "أنا مرشح لرئاسة جمهورية كينيا. أنا مؤهل، ولدي دعم، وأبحث عن المزيد".

وقد دافع غاتشاغوا عن أهليته القانونية رغم إقالته، مشيرا إلى أن الدستور يضمن حق الترشح طالما لم تُستنفد إجراءات الطعن القضائي ولم يصدر حكم نهائي يمنعه من الترشح، مستشهدا بحالة النائب جون والوكي الذي خاض الانتخابات رغم إدانته القضائية.

وفي رد على من يتهمونه بالسعي للانتقام من روتو، قال غاتشاغوا: "وقف الاختطافات، ورفض القتل خارج القانون، ومحاربة الفساد ليست انتقاما، بل هي أخلاق. أنا لا أسعى للانتقام، بل لحكم رشيد وشعب سعيد".

وأضاف أن دعوته لرحيل روتو ليست شخصية، بل "ضرورة وطنية"، مؤكدا أنه الوحيد الذي يملك الجرأة لقول ذلك.

صانع ملوك أم معرقل؟

يمنع القانون الكيني القادة المُقالين من الترشح للمناصب، ما يعني أن غاتشاغوا لا يستطيع خوض انتخابات 2027 إلا إذا ألغت المحاكم أو البرلمان هذا القيد.

لكن هذا المنع لا يلغي دوره السياسي، بل يجعله مرشحا للعب دور "صانع الملوك"، حيث قد تضطر المعارضة للتفاوض معه لضمان أصوات جبل كينيا، بينما يسعى روتو لتحجيم نفوذه لضمان إعادة انتخابه.

ويقول المحلل ديزماس موكوا إن "مصالح غاتشاغوا السياسية ستحدد إلى حد كبير تشكيل التحالفات وتوجهات المرشحين"، واصفا خطابه بأنه "قائم على النزعة العرقية"، لكنه يحذر من أن روتو قد يستغل الأزمة لتحسين صورته، خاصة إذا نجحت حكومته في تقديم إنجازات ملموسة قبل الانتخابات.

وفي مشهد سياسي سريع التحول، لا يُعد البقاء مجرد تفصيل، بل هو شكل من أشكال القوة.

وبمجرد رفضه الانسحاب بعد الإقالة، نجح غاتشاغوا في فرض نفسه على الساحة الوطنية، والتحدي الآن هو تحويل الولاء الإقليمي إلى نفوذ تفاوضي على المستوى الوطني.

كما قال مسؤول انتخابي سابق لأفريكا روبرت: "الانتخابات في كينيا لا تتعلق فقط بمن هو على ورقة الاقتراع، بل بمن يستطيع تأمين المناطق، وتغيير التحالفات، وعرقلة المسارات".

وفي هذا السياق، يرى كثيرون أن غاتشاغوا قد فاز بالفعل، ويبقى السؤال: هل سيستخدم هذه القوة لتتويج رئيس جديد، أم لمنع أي أحد من الوصول إلى القصر الرئاسي؟

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا