آخر الأخبار

اعتقالات تؤزِّم التوتر بين موسكو وباكو

شارك

موسكو- بات التعقيد والتوتر السمة الراهنة للعلاقات الروسية الأذربيجانية، مع بروز بوادر أزمة باتت تتدحرج بتسارع ملحوظ، يتوقع مراقبون أن تستفحل إن لم يضع الطرفان حدا لها.

وتدهورت العلاقات بين البلدين مجددا بعد أن شنَّت الشرطة الروسية حملة اعتقالات جماعية لأذربيجانيين في مدينة يكاتربنبورغ على خلفية قضية جنائية تعود إلى 2001، لكن الحملة هذه انتهت بوفاة شخصين، واستدعت أذربيجان على خلفيتها القائم بأعمال السفارة الروسية لديها للاحتجاج، فيما زعمت وسائل إعلامية أذربيجانية أنهم توفوا نتيجة تعرضهم للتعذيب.

كما قرر البرلمان الأذربيجاني عدم إرسال وفده إلى موسكو لحضور اجتماع اللجنة الثنائية للتعاون البرلماني، وألغت وزارة الثقافة الأذربيجانية جميع الفعاليات الثقافية الروسية في الجمهورية.

مصدر الصورة خلال اعتقال الشرطة الروسية لأذربيجانيين قتل شخصان وجرح آخرون (الصحافة الأذربيجانية)

مصالح البلاد

إضافة لذلك، أجرت الداخلية الأذربيجانية عمليات تفتيش في مكتب وكالة "سبوتنيك أذربيجان" التابعة لوكالة "روسيا سيغودنيا" الدولية للإعلام واعتقلت اثنين من الصحفيين العاملين فيها.

ووصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الوضع بأنه "غير مقبول"، وطالب موسكو بوقف ما وصفها بأشكال التمييز، متهما في ذات الوقت روسيا بدعم أرمينيا وبإجراءات موجهة ضد مصالح بلاده.

كما أكد علييف استعداد بلاده "للدفاع عن مصالحها بكل الوسائل الممكنة"، وهو ما اعتبره خبراء إشارة واضحة على الاستعداد لسيناريو القوة.

ردًا على ذلك، اختار الكرملين عدم الرضوخ "للاستفزازات"، وأكد المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن موسكو تأمل حل التوترات عبر الحوار والحفاظ على علاقات ودية مع باكو.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الروسية الأذربيجانية توترًا في الأشهر الأخيرة، ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحطمت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية في أكتاو بكازاخستان، واتهمت أذربيجان روسيا بالمسؤولية عن الحادث.

إعلان

وتطرح الأزمة الحالية بين البلدين تساؤلات حول "تعاون الحلفاء" الذي أسسه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف في فبراير/شباط 2022، وقدرته على استيعاب الآثار السلبية للأزمة التي توشك على الخروج عن السيطرة.

ولا يقل أهميةً عن ذلك، تداعيات التوتر بين موسكو وباكو على مستقبل منطقة القوقاز ذات الحيوية الجيوسياسية، لوقوعها على تقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية، وفيما إذا كانت الأزمة ستشكل مقدمة لفقدان روسيا قبضتها على القوقاز.

وتتهم أذربيجان روسيا بدعم أرمينيا وعدم رغبتها في حل النزاع، بينما تنتقد روسيا أذربيجان لتقاربها مع تركيا والغرب.

وبينما يعتقد مراقبون أن التعاون بين البلدين سيستمر في بعض المجالات شريطة حل قضية كاراباخ ، تشير توقعات "متشائمة" إلى مزيد من تصعيد التوترات.

مصدر الصورة محكمة يكاترينبورغ تباشر النظر في ملفات 9 أذربيجانيين موقوفين بتهم جنائية (الصحافة الأذربيجانية)

محاصرة نفوذ

ويقول الخبير في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، إن المشهد بات مفتوحا على كل الاحتمالات، بما في ذلك خسارة روسيا للدول "الصديقة" في الفضاء السوفياتي السابق.

ويضيف للجزيرة نت، أن أذربيجان كثّفت مواجهتها الدبلوماسية والإعلامية مع روسيا بشكل خاص بعد العملية الناجحة التي شنّتها القوات الروسية لتعطيل مصفاة كريمنشوك النفطية في أوكرانيا .

ويتابع، أنه وبما أن حقول النفط والبنية التحتية لنقل النفط من أذربيجان إلى أوكرانيا تخضع لسيطرة شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار)، والتي هي بدورها مرتبطة بمسؤولين في باكو عبر شركات خارجية، فحينها يمكن تفسير "الغضب" الأذربيجاني.

ويرى أريشيف أن باكو تسعى إلى مزيد من الاستقلال عن روسيا في سياستها الخارجية، بينما تنظر روسيا إلى المنطقة كمجال لمصالحها الإستراتيجية، ما سيؤدي بالضرورة إلى تناقضات وتوترات، لا سيما في قضايا الأمن والطاقة.

ويشير إلى أن أذربيجان باتت تحسُّ نفسها "مكتفية ذاتيًا"، وأنها في خضم الخلافات مع روسيا، تستطيع أن تستفيد من الاتحاد الأوروبي ، الذي يقف في مقدمة "صقور" أعداء روسيا، بالحد الأدنى في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية.

كما لا ينفي أن خيارات موسكو قد تصبح محدودة، لأن استمرار الخلاف مع باكو قد يخلق تناغما أكبر بين أذربيجان وأرمينيا، وبالتالي محاصرة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز.

ويتابع أريشيف، أن الرؤية الأذربيجانية تقوم على أنه ما دامت روسيا منشغلة في أوكرانيا، فلن يتبقى لديها سوى موارد ضئيلة لاستعادة التوازنات التي خدمت نفوذها في المنطقة لأكثر من 30 عاما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي .

مصدر الصورة اعتقال الشرطة الروسية أشخاصا أذربيجانيين زاد توتر العلاقة بين موسكو وباكو (الصحافة الأذربيجانية)

قرار "الاشتباك"

من جانبه، يرى محلل شؤون رابطة الدول المستقلة، أينور كرمانوف، أن منطقة جنوب القوقاز تتجه نحو توازن قوى جديد، حيث ترى دول إقليمية، كأذربيجان و تركيا ، أن نفوذ روسيا بات يتقلص. وبذلك، يبدو من الطبيعي أن تبدأ أذربيجان بتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة بوتيرة أسرع بانتظار أن تعترف روسيا بتلاشي هذا الدور.

إعلان

ووفقًا لكرمانوف، فإن افتعال المشاكل مع موسكو أو تضخيمها يأتي في سياق التمهيد لتصعيد لاحق، ستختلف فيه وسائل وأشكال المواجهة بين الجانبين، والتي ستدخل على خطها قوى إقليمية ودولية أخرى، معنية بتضييق الخناق الجيوسياسي على موسكو بكل مكان في العالم.

وحسب قوله، فإن قرار باكو "الاشتباك" مع روسيا لا يقتصر على الجانب الإنساني للقضية، الذي يتضمن حماية المواطنين الأذربيجانيين في روسيا، بل هو وسيلة أخرى لعلييف لاستعراض قوته وتعزيز صورته أمام الجمهور، وفي نفس الوقت، للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت تتفاقم في البلاد، على حد تعبيره.

في الوقت نفسه، أوضح أن تصريحات علييف "الصاخبة" تجاه روسيا تنبع من طموحات أعمق، داعيا صناع القرار في روسيا إلى "نزع النظارات الوردية"، لأن السياسة المُفرطة في ضبط النفس قد تلحق ضررا إستراتيجيًا بروسيا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا