آخر الأخبار

الحرب في السودان: كيف تبدو الخرطوم بعد أشهر من سيطرة الجيش عليها؟

شارك
مصدر الصورة

ها أنا أعود مرة أخرى إلى مدينة أم درمان، حيث وُلدتُ ونشأتُ، وذلك بعد أشهر من الغياب بسبب حالة عدم الاستقرار، في ظل استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في بعض مناطق العاصمة.

كنت قد زرت المدينة في مارس/آذار الماضي.

ثمة تغيّرات كثيرة حدثت في المدينة وفي جميع مناطق العاصمة خلال أشهر الغياب.

مصدر الصورة

" تغييرات كثيرة"

كانت المعارك العنيفة تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع في عدة جبهات للقتال في مدينتي أم درمان والخرطوم. الآن، تمكّن الجيش من السيطرة الكاملة على العاصمة.

في الزيارة السابقة، لم أتمكن من الذهاب إلى بعض المناطق بسبب استمرار القتال. أما هذه المرة، فقد تمكنت من الوصول إلى مناطق واسعة في مدن العاصمة الثلاث.

عبرت الجسور التي تربط بين المدن الثلاث، وذلك بعد عامين من الإغلاق. وقد استُبدلت نقاط التفتيش العسكرية، التي كان يُديرها الجيش، بعناصر من الشرطة، وتم تقليل عددها.

تجوّلت في منطقة الصالحة جنوب أم درمان، وهي آخر المناطق التي استعادها الجيش في مايو/أيار الماضي.

تظهر آثار المعارك مدى شراسة القتال بين الطرفين. ثمة دبابة وسيارات محترقة على جانبي الطريق، وبعض المباني احترقت وتدمّرت بعد إصابتها بالقذائف.

المدينة شبه خالية من السكان، على غرار معظم مناطق العاصمة التي تجولتُ فيها. قلة من الناس يمكن ملاحظتهم وهم يتجوّلون ويحملون أوعية بحثاً عن مياه الشرب.

لطالما كانت الأحياء السكنية، والشوارع، والأسواق مزدحمة ومليئة بالحركة، حيث كان يعيش في العاصمة أكثر من 10 ملايين شخص قبل اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.

مصدر الصورة

"خيارات العودة"

بعد سيطرة الجيش على العاصمة بأكملها، قررت بعض العائلات النازحة واللاجئة خارج البلاد العودة إلى ديارها مرة أخرى.

كانت منطقة اللاماب جنوب الخرطوم، والتي تضررت بشكل كبير من الحرب، مسرحاً لاشتباكات مباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في مسعى من الأخيرة للسيطرة على سلاح المدرعات، أحد أقوى وحدات الجيش السوداني.

استخدم الطرفان معظم أنواع الأسلحة الثقيلة، بما فيها المدافع الكبيرة والطيران الحربي.

المباني السكنية والمرافق الحيوية تعرضت لدمار هائل.

لم تتوقع آمنة، وهي ربة منزل، حجم الضرر الذي لحق بمنزلها، بعدما عادت مع زوجها وطفليها بعد عامين من النزوح داخل السودان بسبب المعارك التي شهدتها المنطقة.

هالها منظر المنزل الذي تدمر بشكل كبير، وقالت بأسى إن عزاءها الوحيد أنهم ما زالوا أحياء.

وقالت وهي تغالب دموعها "كما ترى، الصورة تحكي كل شيء... هنالك صعوبات في محاولة السكن مرة أخرى بسبب الدمار، ولا نقول إلا الحمد لله".

وأضافت "المواطن مضطر للذهاب بعيداً للبحث عن الأكل، حيث لا توجد بقالات أو متاجر في منطقتنا حالياً. العلاج غير متوفر، وإذا هطلت الأمطار ونحن على هذه الحالة، فالوضع سيزداد سوءاً".

مصدر الصورة

في منطقة شرق النيل الواقعة شرق العاصمة، يبدو حجم الدمار أقل مقارنة ببقية المناطق. لكن هناك معاناة من نوع آخر، كما يقول السكان المحليون.

قال لنا محمد الفاتح، وهو أستاذ في إحدى المدارس الحكومية، إنه يشعر الآن بالأمان داخل بيته بعد أن عاد إليه مع أسرته بعد أشهر من النزوح، لكنه يفتقر إلى المقومات الأساسية للحياة.

ويرى أن مشكلته الأساسية تكمن في عدم قدرته على إعالة أسرته، لعدم تمكنه من صرف راتبه طوال العامين الماضيين.

"المشكلة الأساسية أنه ليس لدينا أموال، ونعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية التي يرسلها أهلنا من خارج السودان. الأسعار غير ثابتة وتزداد يوماً بعد يوم".

مصدر الصورة

لم تسلم البنى التحتية، من محطات مياه وكهرباء ومرافق صحية، من ويلات الحرب.

وتضررت منطقة وسط الخرطوم التجارية، حيث تقع مقار المؤسسات الحكومية، بشكل كبير.

المباني الشاهقة، من فنادق شهيرة وشركات تجارية معروفة، تحوّلت إلى هياكل سوداء قاتمة.

بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية، مثل وزارتي الصحة والداخلية، عادت لاستئناف عملها من داخل الخرطوم.

وقال والي ولاية الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، للبي بي سي إنهم أعادوا تأهيل بعض المرافق الحيوية.

وأوضح، خلال حديثي معه أثناء إشرافه على حملة نظافة في منطقة شمبات ببحري، أنهم يبذلون جهوداً كبيرة لإعادة الحياة إلى العاصمة واستقبال العائدين.

وأضاف "معدلات العودة كبيرة جداً، ونحن نلاحظها في الحركة في الطرقات، وفي وسائل النقل والمرافق العامة. ووفق تقارير شرطة المرور، قُدّر عدد العائدين في أحد الأيام بـ9 آلاف عائد يومياً. يواجه العائدون إشكالات أساسية تتعلق بالمياه والكهرباء والخدمات العلاجية، وهذه هي المحاور التي تعمل عليها ولاية الخرطوم بصورة أساسية".

وقال والي الخرطوم إنهم تمكنوا من إعادة بعض محطات الكهرباء والمياه للعمل في الخرطوم وبحري وأم درمان، مضيفاً: "لا يمكننا إعادة إعمار الخرطوم وحدنا ولا بد للمواطنين أن يسهموا معنا في هذا الأمر، المسؤولية مشتركة بيننا".

"سطو مسلح"

خلال زيارتي السابقة، كان أكبر ما يخشاه السكان هو القصف المدفعي من قبل قوات الدعم السريع على مناطق متفرقة من العاصمة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين.

وكانت المرة الأخيرة التي تم فيها الهجوم على العاصمة بالمسيرات في مايو/أيار الماضي، وذلك عندما استهدفت قوات الدعم السريع منطقة ود نوباي الواقعة وسط أم درمان.

الآن توقّف القصف، لكن الشكاوى تحولت إلى عمليات السطو المسلح، التي ينفّذها أفراد يرتدون زيّ الجيش أو القوات النظامية الأخرى.

اهتزت مدينة أم درمان على وقع جريمة قتل، راح ضحيتها شاب في منطقة الحتانة شمال المدينة، حين تم اغتياله على يد أفراد يرتدون زي القوات النظامية، وذلك عندما حاول مقاومتهم أثناء محاولتهم سرقة هاتفه المحمول.

تكررت حوادث السطو المسلح في عدة مناطق من العاصمة، كما أن ظاهرة سرقة الأثاث المنزلي من قبل عناصر من الجيش والتي تعرف شعبياً "بالشفشفة" ما تزال مستمرة، بحسب سكان تحدثوا لبي بي سي ورفضوا ذكر أسمائهم خوفاً من الانتقام.

وعندما عرضتُ هذه المخاوف على والي ولاية الخرطوم، قلّل من شأنها.

وأوضح يقول "هذه مجرد خروقات من قبل أفراد نظاميين، وقد أصدرنا تعليمات صارمة بالقبض ومحاكمة أي عسكري يقوم بالنهب بشكل فوري. وبدأنا فعلياً حملات عسكرية بواسطة قوات مشتركة تستهدف رجال الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى المخالفين".

"متنفس وحيد"

لطالما كان شارع النيل في أم درمان مكتظاً بالناس، باعتباره المتنفس الأول لهم كانوا يذهبون إليه في الأمسيات، ويتحلقون حول بائعات الشاي المنتشرات بكثرة، ويتنفسون الهواء العليل بالقرب من النيل، وينسون همومهم اليومية.

كان المكان موحشاً وكئيباً - تحيط به سيارات محترقة على جانبي الطريق - وخالياً من الناس خلال زيارتي السابقة في مارس الماضي.

أما الآن، فقد تغيّرت الصورة. قامت السلطات بتنظيف الشارع، واستأنفت بعض المحال نشاطها، وبدأت العديد من العائلات تأتي بأطفالها في ساعات العصر لتمضية الوقت ونسيان مآسي الحرب.

تقدّر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار الخرطوم بمئات المليارات من الدولارات، وقد تستغرق العملية أكثر من خمس سنوات على أقل تقدير.

لكن لا توجد خطة واضحة حتى الآن بشأن كيفية توفير هذه الأموال، خاصة وأن العديد من المانحين الدوليين، ومن بينهم الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنوا إيقاف المساعدات.

وحتى تبدأ عملية إعادة الإعمار، تبقى خيارات أهالي الخرطوم محدودة بين البقاء في أماكن النزوح، أو العودة إلى مدينتهم المدمَّرة دون خدمات أو وسائل إعاشة كافية مع بعض الأخطار المتعلقة بالسطو.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا