في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طهران- في أول زيارة خارجية له منذ الحرب الإسرائيلية، التي استمرت 12 يوما على بلاده، قام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ، اليوم الجمعة، بزيارة رسمية إلى مدينة خانكندي الأذربيجانية للمشاركة في القمة الـ17 لمنظمة التعاون الاقتصادي (إيكو).
وتأتي زيارة بزشكيان بعد مرور أسبوع على محادثته الهاتفية مع نظيره إلهام علييف ، ومطالبته بالتحقيق في ما قال إنها هجمات من مسيّرات إسرائيلية على إيران عبر أجواء أذربيجان، مؤكدا ضرورة إجراء تحقيق دقيق وموثوق في هذه المزاعم، التي إن صحت، فإنها "تمثل انتهاكا خطيرا للسيادة الإيرانية من خلال استغلال المجال الجوي لدولة مجاورة".
ورغم أن وكالة "ترند" الأذربيجانية قد نشرت خبرا عن عزم بزشكيان المشاركة في هذه القمة قبل أيام، فإن السلطات الإيرانية لم تؤيد الخبر حينها، كما أن الصحافة الفارسية -بما فيها وكالة إرنا الرسمية- نشرته نقلا عن الصحافة الأذربيجانية، قبل أن تنشر خبرا بحلول ظهر اليوم عن "وصول بزشكيان إلى خانكندي".
ونقلت "إرنا" عن بزشكيان قوله إن القمة تمثل "فرصة لتبادل وجهات النظر حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن خلق مجالات للتعاون المشترك في إطار المصالح الإقليمية"، مضيفا -في تصريحات قبيل مغادرته طهران- أن "جشع الأعداء في خلق حالة من انعدام الأمن سيتضاءل مع تزايد التنسيق والتعاون بين دول المنطقة".
وبعد لقاءات سريعة عقدها مع عدد من نظرائه على هامش القمة، ركز خطاب بزشكيان في قمة "إيكو" على إدانة العدوان الإسرائيلي، ورؤية طهران الاقتصادية لهذا التكتل الاقتصادي، موضحا أن العدوان بدأ "بمخالفة صريحة للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة وتم بتنفيذ مشترك مع القوات الأميركية".
وفي حين أشار إلى أن القوات المسلحة الإيرانية التزمت بالدفاع المشروع وفق المادة 51 من الميثاق الأممي، أكد أن دفاع بلاده المشروع "قدّم درسا للمعتدين وحمى المنطقة من توسع النزاع"، في حين تجنب التصريح المباشر بشأن المزاعم بفتح الأجواء الأذربيجانية للطائرات الإسرائيلية، لكنه أكد أن "زيادة التنسيق الإقليمي تقلل طمع الأعداء في زرع الفوضى"، ساعيا لتحويل الأزمة إلى فرصة من خلال دعوته دول "إيكو" لتعزيز "المناعة الجماعية" ضد الصدمات المستقبلية.
من ناحيته، قرأ عطا تقوي أصل -أستاذ الجغرافيا السياسية- عدم الإعلان المسبق عن مشاركة بزشكيان في سياق عدم اتخاذ القرار النهائي حتى قبيل الزيارة بسبب أولويات البلاد، وذلك رغم حرص طهران على المشاركة بمستويات رفيعة في قمم هذا التكتل كونها من الأعضاء الأساسيين فيه.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح تقوي أصل أن طهران سجلت اعتراضا دبلوماسيا حيال سلوك باكو من خلال عدم المناورة الإعلامية على زيارة بزشكيان إلى أذربيجان ، مشيرا إلى أن نبرة خطاب الرئيس الإيراني تحمل عتبا حول تعاون باكو مع تل أبيب خلال السنوات الماضية إلى جانب الغموض الذي لايزال يلف المزاعم بشأن التعاون بينهما إبان العدوان الأخير.
وبرأي تقوي أصل، فإن الزيارة تحمل دلالات مهمة جدا، موضحا أنه رغم استمرار التحقيقات الإيرانية بشأن ضلوع بعض الدول الجارة في العدوان الإسرائيلي، فإن قرار طهران إجراء هذه الزيارة المخطط لها مسبقا يدل على انتهاجها الدبلوماسية لحلحلة الخلافات وتحييد مخاطرها في سياق المصالح الوطنية، بدلا من تبني طرق أخرى قد تزيد الطين بلة في علاقات الدول، وهذا ما نلمسه في ملف المفاوضات مع واشنطن.
ووفق المتحدث نفسه، فإن بزشكيان حرص على تحويل حديثه -الذي بدأه بلفت الانتباه إلى خطر العدوان الأجنبي- إلى الآليات الإقليمية لمواجهة التحديات بما فيها الأمنية والاقتصادية، حيث قدّم مشاريع ملموسة تعكس رؤية إيران لمنظمة إيكو، وذلك من خلال الاعتراف بعدم تحقيقها أهدافها في العام الأخير من رؤيتها لعام 2025، ومطالبته بضرورة مراعاة بعض الجوانب في صياغة رؤية 2035.
وتابع الأكاديمي تقوي أصل أن الرئيس الإيراني يحمل في جعبته أجندة واضحة لتحويل منظمة "إيكو" إلى كتلة اقتصادية رقمية منافسة، باستغلال الفراغ الجيوسياسي في آسيا الوسطى بعد التطورات التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة، وأنه قد يناقش مع نظرائه أسباب إخفاقات المنظمة وتبني إستراتيجيات النهوض.
ومن خلال دعوة طهران أعضاء "إيكو" لتسهيل التأشيرات السياحية انطلاقا من تنوع المقاصد في الدول الأعضاء، يعتقد تقوي أصل أن بزشكيان والوفد المرافق له سيعملون على تفعيل دور هذا التكتل كمنظومة مضادة للغرب من جهة، وربط الازدهار الإقليمي بإحباط مخططات التفتيت الخارجي، من جهة أخرى.
من ناحيته، يعتقد محسن باك آئين السفير الإيراني الأسبق في باكو أن بزشكيان يحمل في جعبته 3 أجندات واضحة بشأن التجارة والنقل والطاقة إلى القمة، فضلا عن ملفات ذات اهتمام مشترك، منها التعاون الثنائي مع كل من باكو وسائر الدول الأعضاء المشاركة، بما فيها الأمن والسياحة والزراعة ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح باك آئين أن تطورات الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران تحل في صلب مباحثات بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي مع نظرائهما في مدينة خانكندي الأذربيجانية، رغم الطابع الاقتصادي الذي يفترض أن يطغى على جدول أعمال القمة الاقتصادية.
وختم أن الرئيس الإيراني سيناقش مع نظرائه على هامش القمة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ومخاطر السياسات الرامية إلى إعادة ترسيم المشهد السياسي في الشرق الأوسط، إلى جانب متابعته مع سلطات باكو الاتفاقات الموقعة خلال زيارته السابقة إلى أذربيجان قبل أشهر.
وفي حين أن الزيارة إلى خانكندي تأتي كمحاولة إستراتيجية لاستعادة طهران المبادرات الإقليمية بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، يرى مراقبون إيرانيون أن خطاب بزشكيان في قمة "إيكو" استخدم فشل المنظمة ذريعة لتسويق رؤية بلاده القائمة على "الممانعة الاقتصادية" في وجه الضغوط الغربية التي قد تتخذ منحى تصاعديا ضد طهران عقب حرب الـ12 يوما.
بينما تعتقد شريحة من الأوساط السياسية في إيران أنه في ضوء التوترات المتواصلة بين طهران والعواصم الغربية بشأن الملف النووي، يبقى نجاح الرهان على الممانعة الاقتصادية مرهونا بقدرة طهران على تجاوز عقبة التعاون مع أنظمة تعتبرها تابعة للغرب وأخرى تتهمها بالتعاون مع أطراف معادية لها.