آخر الأخبار

التحدي الأكبر أمام إدارة دمشق الجديدة.. ما هو؟

شارك

بينما تكرّس الإدارة السورية الجديدة سلطاتها على الدواخل بسلاسة وبدون أي إشكالات تُذكر؛ فإن الأوضاع في مناطق الحدود لا تسير بسهولة، بل تشهد أشكالًا، مختلفة ومتفاوتة، في أغلب المناطق الحدودية، مع عدم وضوح رؤية سياسية محدّدة للتعامل مع هذا الوضع، الأمر الذي يطرح التساؤل عن مستقبل هذه المناطق، في ظل مساعي لاعبين، إقليميين ودوليين، للتأثير على مسار التطورات السورية، انطلاقًا من تلك المناطق.

واقع موروث

منذ بداية الثورة السورية، خرجت أغلب المناطق الحدودية عن سيطرة دمشق، وتشكّلت في تلك المناطق سلطاتُ أمر واقع، وحتى التي استطاع نظام الأسد استعادة السيطرة عليها: الحدود مع العراق، ولبنان، والأردن بعد عام 2018، ظلت محكومة بطريقة فوضوية، حيث تشكلت بها شبكات مرتبطة بالخارج، وازدهر بها اقتصاد الجريمة، الذي يعتمد على التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة، وبدلًا من ضبطها وإدارتها بشكل سليم، بات نظام الأسد شريكًا للفواعل المحلية في اقتصاد الجريمة، إما لحاجته للمردود المادي الذي يوفّره هذا النمط الاقتصادي، أو لأسباب سياسيّة تتمثل باستحواذ أوراق ضغط على البيئة الإقليمية التي عزلته، كما في حالة الحدود مع الأردن.

اليوم، ورغم التحوّل الذي شهدته سوريا بسقوط نظام الأسد، يبدو أن مناطق الحدود ما زالت تعاند الانضواء تحت سلطة دمشق، ويضاف لها الحدود البحرية، حيث تشهد مناطق الساحل السوري، حالة عدم استقرار نتيجة وجود مؤيدين سابقين لنظام الأسد، يعتقدون أن استقرار السلطة الجديدة يشكل تهديدًا وجوديًا لهم، وبالتالي فإن فرصتهم في النجاة تتمثل بخلط الأوراق في الساحل، وتوسيع مساحة الفوضى، وإضعاف القوّة المركزية.

إعلان

في شرق سوريا، ورغم الاتفاقيات التي تمّ توقيعها بين الكرد وإدارة الشرع، فإنّ الواضح أن هذه التفاهمات هشّة إلى حد بعيد، حيث تشهد العلاقة بين الطرفين صراعًا لم تُحسم الكثير من تفاصيله، ولا يبدو أنها ستحسم في الأفق المنظور، في ظل ضبابية الموقف الأميركي من إدارة الشرع، واستمرار إيران بالتأثير عبر شبكتها التي ما زالت فاعلة في شرق سوريا، وتحاول استعادة نفوذها في المنطقة.

الإشكالية التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة محاولتها موازنة العلاقات مع تركيا وأميركا، وبالتالي فإن كل خطوة ستكون محسوبة عليها، كما أن القوى التي يمتلكها الكرد، الذراع العسكرية المتكوّنة من قوات "قسَد" تكاد تشكل قوّة موازية لقوة قوات دمشق، ومن شأن اتباع سياسات غير تفاوضية أن يستنزف قدرة دمشق التي تواجه أوضاعًا معقدة في مناطق عديدة.

وفي جنوب سوريا، تواجه إدارة دمشق مشكلة مركّبة، تتمثل في الفوضى في درعا، واستعصاء فصائل السويداء، والقضم الإسرائيلي لشريط حدودي واسع، ورغم أهمية حلّ اللواء الثامن في شرق درعا، فإنه لا يشكل قيمة إضافية لسيطرة إدارة دمشق في جنوب سوريا في ظل الفوضى العارمة التي تعيشها المنطقة، وفي ظل النقص العددي لكوادر الأمن التابعين لسلطة دمشق، ما يضعف قدرتها على ضبط مختلف المناطق.

كما أن فصائل السويداء، بالاتفاق مع المرجعيات الدينية في المحافظة ترفع سقف مطالبها من الإدارة السورية، في ظل إدراكها أن رد فعل الشرع سيكون محكومًا بمحددات خارجية، إسرائيلية على وجه التحديد، ترى في فرض إدارة الشرع سلطتها على السويداء بالقوّة قد يغيّر المعادلة التي فرضتها بالإكراه في جنوب سوريا.

الفراغ الجاذب للتدخل

تشكّلت في جميع مناطق الحدود السورية سلطات هجينة، ففي حين أبقت بعض المناطق الحدودية رموزًا للنظام السابق، لكن بالمقابل شكّلت بنية سلطوية لإدارة شؤون المجتمعات التي تسيطر عليها، وقد تجلى ذلك بوضوح في شرق سوريا في ظل الإدارة الذاتية الكردية، وبدرجة أقل في السويداء ودرعا، في حين تشكلت في شمال سوريا سلطات بديلة فرضتها قوى لا تنتمي لمجتمعات المنطقة، تركيا، وهيئة تحرير الشام.

إعلان

بيد أنه في جميع هذه المناطق، كان هناك فراغ في السلطة الشرعية، فجميع السلطات المشار إليها ظلت شرعيتها متأرجحة بين كونها سلطة أمر واقع، أو تحظى بقبول نسبي وليس أغلبيًا، نظرًا للتداخل الديمغرافي، واعتبار السلطة تمثل مكونًا واحدًا وليس جميع المكونات، مثل حالة الإدارة الذاتية الكردية في شرق سوريا، أو لوجود تيارات وتوجهات متضاربة حتى داخل المكون الواحد، كما في حالة السويداء، أو باعتبار البنى السلطوية إشكالية مثل حالة هيئة تحرير الشام في إدلب، ومناطق سيطرة القوّات التركية.

في جميع هذه الحالات، يمكن القول إن حالة الفراغ التي تشكّل السمة الغالبة على الوضع في المناطق الحدودية، شكّلت جاذبًا للفاعلين الخارجيين لملئها، لأسباب جيوسياسية تتفق وتصورات أولئك الفاعلين لمستقبل سوريا، أو بذريعة حماية أمن حدودهم من احتمالات الفوضى التي قد تنتجها حالة الفراغ في مناطق سوريا الحدودية.

مخاطر استمرار الوضع الحدودي

تحوّلت جميع الفواعل المحلية، في المناطق الحدودية، إلى أدوات لسيطرة خارجية، أو وكيل يعمل تحت إشراف سلطة برانية، أو جاهزة لأن تكون ذراعًا لطرف خارجي، بهدف تحقيق مصالح محلية.

ومكمن الخطورة أن المناطق الحدودية باتت تتحكم بتشكيل جزء معتبر من المشهد السوري في المرحلة المقبلة، أي تحديد كيف سيكون شكل الدولة، مركزية أم لامركزية، بما في ذلك طبيعة الجيش والقوى الأمنية وهياكلها وعقائدها، ويأخذ طرح اللامركزية من قبل الفاعلين المحليين طابعًا إداريًا، الهدف منه تسيير شؤون المجتمعات المحلية بيسر وسهولة.

لكنه ومن واقع الوضع السوري، ليس سوى تغطية لمشاريع سياسية واجتماعية، لا يمكن ضمان عدم تحولها إلى نوَيات انقسامية في ظل ظروف الضعف السورية، وحتى لو في جانبها الإداري يمكن أن تتحول إلى صراع على الموارد، والثروات في ظل الانقسام الذي تعيشه المجتمعات المحلية السورية، وحالة عدم الثقة بين المكونات المختلفة التي تتساكن في إقليم معين.

إعلان

ولعل الخطورة الكبرى تكمن في صراع القوى الإقليمية والدولية على إعادة تشكيل سوريا الجديدة وفقًا لمصالحها، حيث تحوّلت البلاد إلى ساحة اختبار لتلك المصالح، ويتعامل كل فاعل دولي أو إقليمي مع الوضع السوري، على أنه يشكل فرصة مثالية لتحقيق مصالح يتوجب استثمارها بأي طريقة ممكنة.

كيف يمكن تفكيك مخاطر الحدود؟

لا يكفي إلقاء اللوم على الفاعلين المحليين، أو التذرّع بوجود مؤامرة ضد سوريا ووحدتها واستقرارها، فما دامت الدولة لم تصل إلى مقاربات حاسمة لإدارة الأوضاع ستبقى أبوابها مفتوحة لعبور المخاطر التي تهدّد بهزّ استقرار البلد، ولا بدّ من التّعاطي مع حقيقتَين: الأولى أنّ الحلول الخشنة لن تجدي نفعًا في حلّ قضية المناطق الحدودية لمخاطرها على الوحدة الوطنية، ولأنها ستستدرج تدخلًا خارجيًّا حتميًا، فهناك أطراف عديدة تنتظر مثل هذه الهفوة لتحقق طموحاتها في سوريا تحت ذريعة حماية بعض المكوّنات من الإبادة.

وثانيًا لأنّ مرحلة السنوات الماضية أوجدت واقعًا يصعب تجاوزه، حيث تشكّلت تصورات وطموحات عن طبيعة العلاقة مع دمشق، كما تكوّنت بنى سلطوية وإدارية تغلغلت داخل مجتمعات الحدود.

والملاحظ أنّ جميع تلك المناطق، بعكس مراكز المدن الداخليّة، بات فيها مرجعيات ذات وزن مهمّ في التأثير على التوجهات العامّة في تلك المناطق، وعليه، فإنّه للخروج من هذه الوضعيّة يتطلب:

أولًا: توسيع دائرة الحوار الوطني وإشراك المكونات السورية، وفهم مشاكلها وهواجسها، وتوسيع قاعدة تمثيلها في البرلمان المزمع تأسيسه في المرحلة المقبلة، أي بمعنى من المعاني، تفكيك عقدة الخوف والهواجس لدى المجتمعات المحلية المختلفة، ونزع ذرائع الأطراف الخارجية من التدخّل بالشأن الداخلي السوري.

ثانيًا: ترسيخ علاقات دمشق في الإطارين: العربي، والدولي، والتأكيد على أن استقرار سوريا ووحدتها قضية تمسّ أمن المنطقة والعالم، وبالتالي ضرورة النظر للوضع السوري الحالي، ليس ضمن حصره في إطار مصالح ضيقة، بل من منظور أوسع يأخذ بعين الاعتبار هشاشة الأوضاع الأمنية في المنطقة، وتأثير حالة عدم الاستقرار في سوريا على الأمن الإقليمي، وانعكاس كل ذلك على الأمن العالمي برمّته.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا