في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في لحظة محورية من الحرب في أوكرانيا، جمعت باريس نحو 30 دولة حليفة لكييف في قمة تهدف إلى تأكيد الدعم الغربي وتنسيق الجهود نحو حل مستقبلي لا تزال ملامحه غير واضحة.
غير أن الغائب الأبرز عن هذا المشهد كان الولايات المتحدة، ما يعكس تطورا جديدا في المشهد الجيوسياسي الأوروبي، حيث تسعى القارة العجوز إلى تعزيز دورها العسكري بعيدا عن الهيمنة الأميركية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدد في كلمته خلال القمة على أن "السلام لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت أوكرانيا في أفضل وضع عسكري وأمني ممكن"، في إشارة واضحة إلى ضرورة استمرار الدعم العسكري لكييف.
لكن هذا التوجه يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة أوروبا على تحمل تبعات عسكرة القارة، وهل يمثل ذلك خيارًا استراتيجيًا محسوبًا أم مجرد مقامرة قد تأتي بنتائج غير محسوبة؟.
الإفلاس السياسي الأوروبي.. هل تبحث القارة عن دور مفقود؟
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيفاستوبول، عمار قناة، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن التحركات الأوروبية الأخيرة تعكس "إفلاسا سياسيا" أكثر من كونها استراتيجية واضحة المعالم.
ويقول: "نشهد اليوم معادلة دولية جديدة تتمحور حول قطبين رئيسيين، هما الولايات المتحدة و روسيا، بينما تحاول أوروبا إيجاد موطئ قدم في هذا المشهد عبر تصعيد سياسي وعسكري لا يبدو أنه يستند إلى رؤية استراتيجية حقيقية".
ويضيف قناة أن " الاتحاد الأوروبي يدرك أنه لم يحقق نجاحات تذكر في تغيير المعادلة العسكرية على الأرض، رغم دعمه الهائل لأوكرانيا خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يجعل فكرة عسكرة القارة أشبه بمناورة سياسية أكثر من كونها توجهًا فعليا".
عسكرة أوروبا.. هل هي خيار واقعي؟
في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة، يبدو أن هناك توجهًا داخل بعض العواصم الأوروبية نحو تعزيز الدور العسكري للقارة، خصوصًا مع ازدياد الحديث عن إمكانية نشر قوات أوروبية في أوكرانيا مستقبلًا.
غير أن قناة يشكك في مدى واقعية هذا الطرح، قائلًا: "حتى لو اجتمعت القوى العسكرية الفرنسية والبريطانية، وحتى في ظل الدعم المقدم عبر حلف الناتو، فإن القرار الحقيقي لا يزال بيد واشنطن، وليس لدى أوروبا القدرة العسكرية أو الاقتصادية على فرض معادلة جديدة بمفردها".
ويضيف أن "عسكرة أوروبا تُطرح اليوم كإحدى الأدوات لمحاولة الضغط على موسكو، لكنها لا تأخذ في الاعتبار أن المعادلة الأمنية لا تشمل روسيا فقط، بل أيضا الولايات المتحدة، التي باتت تنتهج نهجا أكثر براغماتية في التعامل مع هذا الصراع".
الدور الأميركي.. من قيادة الصراع إلى الوساطة؟
مع تصاعد الحديث عن عسكرة أوروبا، يبرز التساؤل حول موقف الولايات المتحدة من هذا التوجه. فبينما كانت واشنطن القائد الفعلي للتحالف الغربي ضد روسيا، بدأت الإدارة الأميركية مؤخرًا في اتباع نهج أكثر براغماتية، ربما استعدادا لمتغيرات سياسية قادمة.
ويحلل قناة هذا التحول بقوله: " إدارة ترامب، باتت تدرك أن الاستمرار في استنزاف الموارد بلا نتائج ملموسة قد يكون مكلفا، لذلك هناك توجه نحو دور أكثر واقعية يأخذ في الاعتبار ضرورة الانتقال من الهيمنة الأحادية إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب".
ويضيف: "السياسة الأميركية لم تعد تركز فقط على مواجهة روسيا، بل تسعى للحفاظ على توازن معين يمنع أوروبا من اتخاذ خطوات قد تضر بالمصالح الأميركية على المدى البعيد، مثل عسكرة القارة بشكل مستقل عن الناتو".
عسكرة أوروبا.. بين الطموح والواقع الجيوسياسي
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال الرئيسي: هل يمكن لأوروبا أن تتحول إلى قوة عسكرية مستقلة، أم أن عسكرة القارة مجرد ورقة ضغط سياسي ستتلاشى مع مرور الوقت؟.
بحسب قناة، فإن "أوروبا لم تتمكن حتى الآن من إيجاد مخرج استراتيجي واضح للأزمة الأوكرانية، وما زالت مستمرة في التصعيد، رغم فشل العقوبات الاقتصادية وعزل روسيا دبلوماسيًا، فضلًا عن الإخفاقات العسكرية المتكررة لكييف".
ويختم بالقول: "عسكرة أوروبا قد تكون مقامرة محفوفة بالمخاطر إذا لم تستند إلى استراتيجية واضحة، تأخذ في الحسبان المصالح الدولية المتشابكة وتوازن القوى المتغير في النظام العالمي الجديد".