بغداد- عادت قضية شبكة التنصت المثيرة للجدل للواجهة من جديد، ليتم تسليط الضوء عليها من خلال خطوة مضى بها مجلس النواب بجلسته التي عقدت في الثاني من فبراير/شباط الجاري، بالتصويت على تشكيل لجنة نيابية لمتابعة إجراءات التحقيق بالقضية.
وتجلت القضية، التي طالت سمعتها مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بعد أن تم الكشف عن شبكة متهمة بالتجسس على أطراف فاعلة في الدولة العراقية، تورط فيها محمد جوحي الذي يعمل في مكتب رئيس الحكومة معاونا لرئيس الدائرة الإدارية في مجلس الوزراء وأمين عام التواصل الحكومي مع النواب.
وشارك مع جوحي في إدارة الشبكة مجموعة من ضباط الأمن الرقمي، اعترفوا بتوجيه الجيوش الإلكترونية، للتجسس على نواب وسياسيين وتجار ومالكي قنوات فضائية، وبصناعة الأخبار المزيفة وانتحال صفات لرجال أعمال وسياسيين، والتنصت على هواتف نواب ومسؤولين في الدولة.
وفي 20 أغسطس/آب من العام الماضي، أفاد بيان لمكتب السوداني بأنه "وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتبه، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق"، مؤكدا على "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون".
وقبل ذلك بيوم، أفادت مصادر عراقية باعتقال جوحي، بتهمة ترؤس "شبكة التجسس"، فضلا عن القبض على أغلب أعضاء الشبكة، وبعد محاكمته في محكمة جنايات الكرخ في ديسمبر/كانون الأول الماضي، صدر حكم بالسجن 4 سنوات بحق جوحي وزميله المتهم بنفس القضية الضابط علي المطير، الذي كان أحد أعضاء الفريق وتولى تنظيم أعمال الجيوش الإلكترونية.
ذكر المتحدث الرسمي باسم ائتلاف دولة القانون النائب عقيل فتلاوي أن تشكيل اللجنة جاء بطلب من الائتلاف، وحدد لها سقفا زمنيا قدره 15 يوما لإتمام أعمالها.
وأوضح الفتلاوي في حديث للجزيرة نت أن "هذا الإجراء جاء استجابة لضرورة تشكيل لجنة لمتابعة ما أثير من شبهات حول عمليات التنصت المزعومة"، مشددا على أهمية هذه الخطوة لإنهاء الجدل الدائر في الأوساط السياسية والبرلمانية حول تورط الحكومة في هذه القضية، مؤكدا أن "اللجنة ستسعى جاهدة للكشف عن الحقائق وتحديد المسؤوليات، حيث ستدين المتورطين وتبرئ الأبرياء".
وقد حظي تشكيل اللجنة بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان بالتصويت، بحسب ما قال الفتلاوي، حيث أشار إلى أنه تم تفويض الكتل السياسية لاختيار أعضائها، مضيفا أن اللجنة سترفع تقريرها النهائي إلى رئاسة البرلمان، التي ستحدد بدورها ما إذا كان سيُطرح التقرير للمناقشة في جلسة برلمانية، أم سيُحال مباشرة إلى الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وأشار الفتلاوي إلى أن اللجنة ستعمل بكل جدية على الإجابة عن جميع التساؤلات المتعلقة بالقضية، وفي حال ثبوت تورط أي طرف، سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية والدستورية المناسبة بحقه، مؤكدا أن اللجنة ستولي اهتماما خاصا بهذه الجوانب، وسترفع تقريرا مفصلا يتضمن توصياتها، وسيُعرض على البرلمان إذا لزم الأمر، وإلا فستتخذ الإجراءات المناسبة بإحالة التقرير إلى الجهات المعنية أو إصدار قرار برلماني مباشر.
وفيما يتعلق بالمدة الزمنية المحددة للجنة، أوضح الفتلاوي أن 15 يوما هي مدة تقديرية قابلة للتمديد، إذا اقتضت الضرورة لاستكمال التحقيقات وتوضيح جميع جوانب القضية، خاصة في ظل أهميتها وتأثيرها على الرأي العام والأوساط السياسية.
كما شدد على حرصهم على عدم تكرار ما حدث في لجان التحقيق السابقة من تسويف وتأخير، مشيرا إلى إصرار البرلمان -وخاصة كتلة دولة القانون- على كشف الحقيقة في هذه القضية في أسرع وقت ممكن.
من جهته، أكد النائب الكردي شريف سليمان أهمية الحرص في موضوع مراقبة المواطنين العراقيين، وخاصة المسؤولين والنواب بحسب ما نص عليه الدستور العراقي في مادته رقم 40، مشددا على ضرورة التحقق من عدم وجود أي تجاوزات على حرياتهم الشخصية وحرية الرأي، أو انتهاك لخصوصياتهم.
وتنص المادة (40) من الدستور العراقي على أن "حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورة قانونية وأمنية، وبقرار قضائي".
وأشار سليمان في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحكومة العراقية قد اتخذت قرارا بتشكيل لجنة تحقيق عليا لدراسة هذا الموضوع، والتوصل إلى حلول تضمن عدم تكرار هذه التجاوزات مستقبلا، كما لفت إلى أن الدستور العراقي يضمن الحفاظ على حريات جميع المسؤولين، بمن فيهم النواب والوزراء، وأنهم يقسمون قبل تسلم مهامهم على حماية هذه الحريات.
وأكد أن البرلمان العراقي يدعم هذا التوجه، ويسعى إلى تفادي أي أخطاء من قبل الحكومة أو أي جهة أخرى -سواء كانت إعلامية أو غيرها- تتعلق بانتهاك خصوصيات الأفراد والمؤسسات.
وأعرب عن تفاؤله بأن اللجنة المشكلة ستولي هذا الموضوع اهتماما كبيرا، وستتوصل إلى قرارات حاسمة لمعاقبة الجهات التي قامت بالتنصت على مؤسسات الدولة والمسؤولين والأفراد، مؤكدا ضرورة احترام خصوصيات جميع الأطراف.