في عام 2020، وأثناء تفشي وباء كورونا، انخفض عدد الإعدامات في السعودية إلى 27، ما أثار توقعات بحدوث تغير في هذا الملف الذي لطالما كان مصدر انتقاد للرياض، لكن سرعان ما عادت وتيرة تنفيذ الإعدامات في هذا البلد إلى الارتفاع حتى بلغت مستوى غير مسبوق في عام 2024.
إذ يُعتقد أن عدد الأشخاص الذين أُعدموا في المملكة وصل إلى رقم "غير مسبوق" وتجاوز 270 شخصاً هذا العام.
فحتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أعدمت السلطات في المملكة العربية السعودية 274 شخصاً، بينهم 101 أجنبي، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، بينما أكدت منظمة العفو الدولية أيضاً تنفيذ 198 عملية إعدام حتى سبتمبر/أيلول.
وتُعد السعودية من بين أكثر الدول تنفيذاً لعقوبة الإعدام عالمياً؛ تسبقها في هذا التصنيف كل من الصين وإيران، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.
هذا الرقم المرتفع دفع منظمات حقوقية ومؤسسات دولية إلى تسليط الضوء على نظام العدالة الجنائية في المملكة، في وقت تستمر فيه جهود السعودية في تقديم صورة جديدة لها تنسجم مع رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
حاول فريقنا في بي بي سي عربي التواصل مع أكثر من جهة من السلطات السعودية أكثر من مرة، ولم نتلقَّ أي رد حتى لحظة نشر هذا المقال.
وعادةً، لا ترد السعودية رسمياً على هذه الانتقادات بشكل مباشر، أما صحفها الرسمية وتلك المقربة من السلطات، فتلتزم عادةً بالبيانات الصادرة عن وزارة الداخلية.
وكان ولي العهد السعودي قد قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة فوكس نيوز في سبتمبر/أيلول 2023، إن المملكة تسعى إلى تقليص عدد الإعدامات لتقتصر على "الجرائم الكبرى"، بما "يتماشى مع الشريعة الإسلامية".
شهدت السعودية خلال عام 2024 سلسلة من الفعاليات الفنية والثقافية الكبرى، التي تعكس تغييرات غير مسبوقة تشهدها المملكة، التي تطمح - من خلال رؤية 2030 - إلى تغيير صورتها دولياً، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز السياحة.
من بين هذه الفعاليات، استضاف موسم الرياض عروضاً ترفيهية متنوعة وبطولة للمصارعة، في حين شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة عرض أفلام عالمية وعربية وشارك فيه عدد كبير من النجوم.
وعاد موسم جدة بفعاليات موسيقية وفنية، فيما استقطب مهرجان "مدل بيست" في الرياض جمهوراً واسعاً بعروضه الموسيقية العالمية. ومن أبرز الأحداث أيضا كان عرض للمصمم اللبناني إيلي صعب، الذي قدم مجموعته لأول مرة في الرياض، وشارك في العرض نجمات عالميات هنّ جنيفر لوبيز وسيلين ديون وكاميلا كابيلو.
في هذه الأثناء، تتردد كل فترة وأخرى انتقادات تطال ملف حقوق الإنسان في السعودية، ومن ضمنها الإعدام.
أبرز الانتقادات جاءت من قبل منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، اللتين أكدتا أن الإعدامات تتم "غالباً بعد محاكمات تفتقر للعدالة وتعتمد على اعترافات منتزعة تحت التعذيب".
ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وقف استخدام عقوبة الإعدام إلا في "أشد الجرائم خطورة" بما يتماشى مع المعايير الدولية.
المعايير الدولية لعقوبة الإعدام تستند إلى اتفاقيات حقوق الإنسان التي تهدف إلى تقليص استخدامها وضمان تطبيقها في أضيق الحدود.
وفقاً للمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا تُفرض عقوبة الإعدام إلا في الجرائم "الأشد خطورة"، مع ضرورة احترام الإجراءات القانونية وضمان المحاكمة العادلة.
كما تحظر المعايير الدولية إعدام القُصّر، والنساء الحوامل، وذوي الإعاقات العقلية، وتشجع الأمم المتحدة والدول الموقّعة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي على إلغاء العقوبة نهائياً.
يعتبر عدد الإعدامات المسجّلة هذا العام في السعودية هو الأعلى؛ ففي عام 2019، أُعدم 184 شخصاً في السعودية وفقاً لتقرير لمنظمة العفو الدولية، وكان حينها هذا الرقم هو الأعلى.
كانت السعودية قد جمّدت - بشكل غير رسمي – ولمدة استمرت 21 شهراً - استخدام عقوبة الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات، وفق تصريح للمتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ليز ثروسيل في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
ولكن في عام 2022، عادت المملكة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات.
وتشير أرقام تقرير وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن غالبية المحكومين بالإعدام كانوا متهمين في قضايا تهريب المخدرات - وليس تعاطيها.
خلال العام الجاري، وبحسب تقرير الوكالة، نفذت عقوبة الإعدام بحق عدد كبير من الأجانب، إذ أُعدم 21 باكستانياً، و20 يمنياً، و14 سورياً، و10 نيجيريين، إلى جانب أعداد أقل من جنسيات أخرى مثل الأردن ومصر والسودان.
وكانت وزارة الداخلية السعودية قد أصدرت أكثر من بيان أعلنت فيه إعدام مواطنين وأجانب، دون إصدار حصيلة نهائية حتى لحظة نشر هذا التقرير.
آخر هذه البيانات صدر يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث أعلنت الداخلية السعودية تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة مصريين في منطقة تبوك، بعد إدانتهم بـ"تهريب وتلقي وترويج مادة الإمفيتامين المخدرة، وأقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي".
وعادة لا تعلق الدول على إعدام مواطنيها في السعودية، ولكن أحياناً قد تصدر بعض التعليقات الرسمية.
على سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دعت وزارة الخارجية الباكستانية إلى ضمان محاكمات عادلة وشفافة لمواطنيها المتهمين بتهم تتعلق بالمخدرات.
كما أصدرت وزارة الخارجية الإندونيسية بياناً في مارس/آذار 2018، عبّرت فيه عن أسفها لإعدام أحد مواطنيها في السعودية دون إشعار مسبق، وطالبت بتحسين آليات التواصل بين البلدين في مثل هذه القضايا.
وفي أبريل/نيسان 2019، استدعت الفلبين السفير السعودي للاحتجاج على إعدام أحد مواطنيها، مطالبةً بمزيد من الشفافية في الإجراءات القانونية.
ويمثل العمال الأجانب حوالي 37 في المئة من إجمالي الإعدامات التي نُفذت هذا العام، بحسب تقرير وكالة الصحافة الفرنسية.
ويقول المحامي طه الحاجي لبي بي سي عربي إن "الكثير من العمال الأجانب يعملون كناقلين بسيطين للمخدرات دون إدراكهم للعواقب القانونية".
ويتحدث عن ضعف التمثيل القانوني للعمال الأجانب: "في كثير من الحالات، يُحرم المتهمون من حقهم في تعيين محامٍ منذ لحظة التوقيف، وإذا سُمح لهم بذلك، فإن المحامي يتدخل في مراحل متأخرة جداً من المحاكمة، ويؤدي هذا إلى إدانات تستند إلى أدلة ضعيفة أو غير قانونية".
ويوضح الصحفي علي الأحمد، المتابع لملف حقوق الإنسان في السعودية، أن "العمالة الأجنبية تتعرض لانتهاكات بسبب حواجز اللغة وضعف تمثيل سفاراتهم، مما يجعلهم فريسة سهلة للنظام القضائي المتشدد".
وتنشر وكالة الأخبار السعودية الرسمية بيانات وزارة الداخلية، وتصف عمليات الإعدام بـ"تنفيذ حكم القتل" وتشير إلى "العقاب الشرعي".
ففي أحد أخبار وكالة (واس) بهذا الخصوص يوم 3 ديسمبر/كانون الأول، أشارت إلى أن عدداً من المتهمين "أحيلوا إلى المحكمة المختصة" و"صدر أمر ملكي بإنفاذ ما تقرر شرعاً"، مستدلة على ذلك بآية قرآنية.
وتنص الشريعة الإسلامية، كما تنفذها المملكة، على عقوبة الإعدام في الجرائم الكبرى مثل القتل، والردة، والحرابة، أي قطع الطريق أو الاعتداء المسلح الذي يهدف إلى الإفساد في الأرض، مثل السرقة بالقوة، أو القتل، أو التخويف، وفقاً للنصوص الشرعية والتفسيرات الفقهية.
ومع ذلك، تختلف آراء الفقهاء حول تطبيق هذه العقوبات؛ حيث يرى البعض أن النصوص تتيح خيارات بديلة كالعفو والديّة.
وفي القانون السعودي، تضاف إلى الجرائم الكبرى التي تخضع لعقوبات الإعدام، قضايا مثل "الإرهاب" وتهريب المخدرات، وتأكد السلطات على استنادها إلى أحكام الشريعة.
وتُطبق السعودية نظاماً قضائياً قائماً على الشريعة الإسلامية، مما يمنح القضاة صلاحيات تقديرية واسعة في الأحكام، وفقاً للمحامي طه الحاجي.
وأضاف الحاجي، المحامي السعودي المتخصص في ملف الإعدامات والمقيم في برلين، إلى أن المحاكم في السعودية "تفتقر إلى الاستقلالية وتُستخدم كأداة للسلطة التنفيذية".
كما يقول إن "الإجراءات القانونية في السعودية غالباً ما تكون أمنية وليست قانونية".
ويتفق معه الصحفي السعودي علي الأحمد، المقيم في الولايات المتحدة على ذلك، ويشير إلى أن "عدد الإعدامات في السعودية كان ولا يزال مرتفعاً، خاصة ضد الفئات الضعيفة سواء كانوا أجانب أو مواطنين، وذلك بسبب خلل هائل في أنظمة المحاكم وطبيعتها".
ويضيف: "المحاكم في السعودية تفتقر إلى الاستقلالية وتعمل تحت إشراف الجهات الأمنية، ما يجعلها غير مؤهلة لتحقيق العدالة".
وعقوبة الإعدام في السعودية ليست ظاهرة جديدة؛ فمنذ تأسيس المملكة كانت عقوبة الإعدام وسيلة لفرض النظام وحماية الأمن، وفقاً لتصريحات مسؤوليها.
ومن بين أبرز الشخصيات التي أُعدمت، الشيخ نمر النمر، رجل الدين الشيعي الذي أُعدم في يناير/كانون الثاني عام 2016 بتهمة "الإرهاب".
وأثارت تلك القضية احتجاجات دولية، خاصة من إيران، إذ اعتُبر الإعدام خطوة تصعيدية ضد الأقلية الشيعية في المملكة.
وفي الماضي، شهدت السعودية عمليات إعدام جماعية، مثل تلك التي نُفذت في عام 1980 بعد محاولة اقتحام الحرم المكي، ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1979؛ حينها شهد الحرم المكي اقتحاماً مسلحاً قاده جهيمان العتيبي ومجموعة من أتباعه، الذين احتجزوا مئات الحجاج مطالبين بإسقاط النظام الحاكم.
واستمرت المواجهة لمدة أسبوعين، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الحجاج والقوات السعودية، وبعد انتهاء العملية، حُكم على 63 من المتورطين بالإعدام، ونفذت الإعدامات علناً في 8 يناير/كانون الثاني 1980، في عدة مدن سعودية.
في 12 مارس/آذار من العام 2022، نفذت المملكة إعداماً جماعياً شمل 81 شخصاً في يوم واحد، حسبما أعلنت وزارة الداخلية السعودية في بيان رسمي.
وبحسب البيان، أدين هؤلاء بتهم متعددة تتعلق بـ"الإرهاب والخروج على الدولة"، كما شملت التهم "اعتناق الفكر الضال والمناهج والمعتقدات المنحرفة"، و"الانتماء لتنظيمات إرهابية" مثل "داعش" و"القاعدة" و"الحوثيين"، و"استهداف مقار حكومية ومنشآت حيوية"، و"قتل رجال أمن"، و"زرع ألغام".
وجاءت العقوبات بعد محاكمات أشرف عليها 13 قاضياً على ثلاث مراحل لكل متهم، وفقاً للبيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
وأثارت هذه الخطوة ردود فعل واسعة من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، إذ نددت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بالإعدامات، معتبرةً أنها "إشارة مقلقة" لعدم احترام معايير العدالة الدولية، خاصة مع اعتماد المحاكمات على اعترافات يُزعم أنها انتُزعت تحت التعذيب.
على الصعيد الدولي، أعربت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقهما، داعين السعودية إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وضمان محاكمات عادلة، كما أدانت الأمم المتحدة العملية، مطالبةً بإجراء إصلاحات شاملة في نظام العدالة الجنائية.
الحاجي يرى أن "السعودية لا تعير اهتماماً كبيراً للانتقادات الدولية"، لأنها "تعلم أن هذه الانتقادات غالباً لا تتجاوز بيانات التنديد دون إجراءات فعلية. بقوة اقتصادها ونفوذها، تتمكن المملكة من معالجة هذه الانتقادات دون تغيير جذري".
ويضيف: "بدون هذه الإصلاحات، ستظل الانتقادات الدولية مستمرة، مما يؤثر على قدرة المملكة على جذب الاستثمارات وتحقيق أهداف رؤية 2030".
يرى الحاجي أن "الإصلاح الحقيقي يبدأ من القضاء"، إذ يعتبر أنه "بدون قضاء مستقل وعادل، ستظل الإعدامات مصدراً للانتقادات الدولية".
بينما يعتقد الأحمد أن "محاولات تحسين الصورة الدولية للسعودية لن تنجح ما لم تصاحبها تغييرات جذرية في النظام".