حذر مقال رأي نشرته صحيفة غارديان البريطانية من تصور سيناريو سلبي لما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقالت كاتبة العمود في الصحيفة نسرين مالك إن المشاهد التي اعتقد الناس أنهم لن يروها مرة أخرى قد حدثت بالفعل، فقد تدافعت جموع السوريين نحو الميادين، وتكشفت ثروات الطغاة الفاحشة واقتُحمت حصونهم وشوهت صورهم وتماثيلهم.
وأضافت أن تلك المشاهد استثارت شعورا ربما يكون مألوفا وأحيانا مثيرا للشفقة ينطوي على احتمالات متباينة لما ستتمخض عنه الثورة الشعبية في سوريا من تغيير.
وأبدت كاتبة المقال تفاؤلا حذرا حين أشارت إلى أن صنوف القتل والتعذيب والاعتقال والنفي التي مارسها الأسد تجاه شعبه تجعل نهاية الثورة السورية الناجحة "حلوة ومرة" في آن معا، ولأن الثمن كان "باهظا جدا" فإن ذلك يجعل من المغانم المترتبة أعز وأثمن، على حد تعبيرها.
وأعادت إلى الذاكرة ثورات الربيع العربي التي حدثت في بعض دول المنطقة قبل 14 سنة، وقالت إن تلك الثورات إما تفككت أو أعادت الأنظمة الاستبدادية لتموضعها تحت إدارة جديدة.
ولذلك، فهي تعتقد أن "التفاؤل الجامح" الذي أعقب سقوط تلك المجموعة الأولى من الطغاة يخفف حدة الحذر مما سيأتي بعد ذلك، بل وينبغي أن يكون حذرا مثمرا لا مدعاة لليأس.
وتشدد نسرين في مقالها على ضرورة أن تستفيد سوريا من دروس ثورات الربيع العربي من خلال فهم هشاشة المرحلة التي تمر بها.
واستعادت ما حدث في الثورات التي وقعت في دول الربيع العربي، مثل مصر والسودان، إذ كانت الأنظمة السابقة كامنة بعيدا بحيث تعذر اقتلاعها على الرغم من إزاحة رموزها.
وفي أماكن أخرى مثل اليمن حدث فراغ في السلطة، وكانت هناك جماعات مسلحة سعت إلى الاستيلاء على السلطة ثم استقطبت وكلاء لها أشعلوا فتيل الحرب الأهلية، وفق المقال.
ومضت نسرين إلى القول إن الثورة السورية كانت مسرحا لطموحات أطراف مختلفة، فقد تحركت روسيا وإيران لدعم نظام بشار الأسد، وركزت الولايات المتحدة جهودها على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حين حافظت تركيا على وجودها في شمال سوريا لمنع ظهور حركة كردية قابلة للحياة تطالب بالحكم الذاتي.
ووفقا لكاتبة العمود، فإن ثمة أمورا كثيرة يمكن أن تتكشف، مضيفة أن إسرائيل تستغل الوضع "الهش" لسرقة المزيد من الأراضي السورية.
وقالت إن أي حكومة جديدة تتشكل في دمشق سوف ترث تحديات لا تقتصر على إدارة بلد ممزق دمرته سنوات فحسب، بل أيضا إدارة المصالح المتضاربة للأطراف الأجنبية "المتشككة والمارقة" ومجموعات المقاتلين والأسلحة المدججين بها.
وأشارت نسرين إلى أن منطق التحليل المجرد للسياسة الخارجية يشي بأن هناك حقائق ملموسة تتجلى في سقوط أحد أكثر الأنظمة وحشية في العالم، وإطلاق سراح عدد هائل من السجناء، والاحتفاء الشعبي ولمّ الشمل، وربما عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين تعرضوا لسنوات من التمييز في المنافي أو لقوا حتفهم في معابر محفوفة بالمخاطر.
ومع ما تحقق من نجاح فإن نسرين تلفت إلى أن هناك هواجس من أن يسفر سقوط الأسد عن أجندات أميركية "إمبريالية" رغم أن الإطاحة به نبعت من رغبة في داخل سوريا وليس خارجها.
وتضمّن المقال تحذيرا أطلقه الباحث السوري المتخصص في الحركات الشعبية ياسر منيف من النظر إلى سوريا من خلال الموقع الذي تحتله في الخطابات السائدة، مشددا على ضرورة تجاوز الخطابات الاستشراقية من أجل فهم عمق المعارضة وجغرافيتها.
وأشار إلى أن دور الدين في المعارضة لا يعني بالضرورة أن يكون لهذه القوى "نوع من الأيديولوجية الشمولية".
وخلصت الكاتبة إلى أن التاريخ وعدد الأطراف الفاعلة في المنطقة يؤثران على سوريا، مما يفرز جهات تحاول السيطرة على المشهد ظنا منها أنها على دراية بوعورة المسار وتضاريسه ومنعطفاته.
ولذلك، فهي تؤكد أن "البوصلة" باتت الآن في أيدي السوريين الذين لا ينبغي أن تُكبت فرحتهم وتؤرق راحتهم في الحال بسبب ما قد ينتابهم من مخاوف بشأن ما سيأتي بعد.
وبالتالي -وفق نسرين- لا ينبغي أن يكون مستقبل السوريين رهينة خيبات أمل سابقة، ولا ينبغي إحباط ثورتهم الممتدة الفريدة بتأويل ما تخبئه من نذر.