بينما احتفلت السلطات الغينية قبل أسابيع بإطلاق مشروع "سيماندو" لاستخراج خام الحديد، الذي يُعد أكبر احتياطي غير مستغل في العالم، يعيش آلاف العمال صدمة فقدان وظائفهم مع بدء مرحلة التشغيل، في مشهد يعكس التناقض بين وعود التحول الاقتصادي والواقع الاجتماعي القاسي.
وكانت الحكومة العسكرية أطلقت المشروع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وسط أجواء احتفالية، إذ أعلن يوم عطلة وطنية، وشارك الرئيس الانتقالي مامادي دومبويا مرتديا الزي التقليدي في مراسم التدشين.
ويُنظر إلى "سيماندو" باعتباره ركيزة أساسية في حملة النظام لتسويق نفسه قائد مرحلة "النهضة الاقتصادية"، قبيل الانتخابات المقررة في 28 ديسمبر الجاري، وهي الأولى منذ انقلاب 2021.
ويطمح المشروع، الذي تديره شركتان عملاقتان هما "ريو تينتو" البريطانية و"كونسورتيوم وينينغ" الصينية، لإنتاج نحو 120 مليون طن من خام الحديد سنويا، أي ما يعادل 7% من الطلب العالمي. لكن خلف هذه الأرقام الضخمة، تتكشف أزمة اجتماعية حادة.
فخلال عامي 2024 و2025، بلغ عدد العاملين في المشروع أكثر من 60 ألفا، معظمهم غينيون، مع تسريع أعمال البناء للسكك الحديدية والموانئ.
غير أن مرحلة التشغيل لا تحتاج سوى أقل من 15 ألف عامل، ما يعني فقدان عشرات الآلاف وظائفهم في فترة وجيزة.
وقد فقد آلاف العمال وظائفهم فعلا، في مناطق مثل دانتيليا وكامارا، في حين ينتظر آخرون مصيرهم المجهول.
وحذرت مصادر في القطاع من أن التسريح المفاجئ قد يؤدي إلى احتجاجات شعبية وقطع طرق السكك الحديدية، خاصة بعد حوادث نفوق ماشية بسبب مرور القطارات، وهو ما أثار غضب المجتمعات المحلية.
كما أبلغ عن وفيات بين العمال والسكان خلال فترة الإنشاء، ما زاد المخاوف من تدهور معايير السلامة.
من جانبه، اعترف وزير المناجم بونا سيلا بصعوبة الموقف قائلا "ليس سهلا أن يفقد الناس مصدر رزقهم فجأة".
وأكد أن الحكومة تخطط لمشاريع بنية تحتية جديدة تشمل طرقا ومصافي ومحطات كهرباء، لكن دون تحديد جدول زمني.
كما أطلقت السلطات خطة "سيماندو 2040" التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد باستثمارات في الزراعة والتعليم والتكنولوجيا، بتكلفة تقدّر بـ200 مليار دولار، معظمها من رأس المال الخاص.
ورغم التوقعات أن يرفع المشروع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26% بحلول 2030، فإن تقارير صندوق النقد الدولي حذرت من أن أثره على تقليص الفقر قد يكون محدودا، بل قد يزيد من فجوة التفاوت الاجتماعي، خصوصا في المناطق الريفية.
وبعد ثلاثة عقود من بدء الاستكشاف، يبقى السؤال مطروحا: هل سيجلب "سيماندو" الرخاء لغينيا أم سيظل مثالا جديدا على ثروة طبيعية لم تترجم إلى تنمية حقيقية؟ وبينما تتسارع وتيرة الإنتاج، يزداد قلق آلاف الأسر التي وجدت نفسها فجأة خارج دائرة العمل، في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة