آخر الأخبار

ما وضع القطاع الصناعي السوداني الخاص جراء الحرب؟

شارك

الخرطوم – تسببت الحرب بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 في انهيار واسع للاقتصاد الوطني، حيث توقفت قطاعات كاملة عن العمل والإنتاج بفعل المواجهات وأعمال النهب، وانعكس ذلك في تراجع المؤشرات الكلية وتفاقم الأزمات المعيشية.

ألقى اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان 2023 بظلال قاتمة على القطاعات الاقتصادية، إذ شهدت العملة المحلية تدهورًا غير مسبوق أمام الدولار مسجلة أكثر من 3000 جنيه مقابل الدولار الواحد بينما كان قبل اندلاع الحرب 600 جنيه لكل دولار، في حين ارتفعت معدلات التضخم وتقلص الإنتاج الصناعي، وأكد تقرير لوزارة المالية صدر في مطلع يناير/كانون الثاني 2025 أن الحرب ضربت قطاعات رئيسية على رأسها النفط والصناعة، وهو ما زاد من عمق الأزمة.

تحديات سعر الصرف والبنية الصناعية

يرى المحلل الاقتصادي الناير محمد النور أن الاقتصاد كان يعاني أصلًا قبل اندلاع الحرب من تضخم مرتفع و بطالة متنامية، مشيرًا إلى أن النزاع فاقم تلك الأوضاع وعمّق الاختلالات، وقال للجزيرة نت "إن استقرار سعر الصرف هو الركيزة الأولى التي يجب أن تركز عليها الدولة حتى يبدأ الاقتصاد في التعافي".

كما اعتبر أن خطوة البنك المركزي في ديسمبر/كانون الأول 2024 باستبدال العملة "إيجابية لكنها غير مكتملة"، لافتًا إلى أن ولايات مثل الخرطوم والجزيرة وسنار ما زالت تتداول الإصدار القديم، وهو ما يتطلب -بحسب رأيه- جهودًا إضافية لتعزيز العملة الجديدة وتشجيع المعاملات الإلكترونية.

مصدر الصورة البنية الصناعية في العاصمة تعرّضت لدمار شبه كامل خلال المواجهات (الجزيرة)

وفي قراءته للوضع الصناعي، أوضح محمد النور أن البنية الصناعية في العاصمة تضررت بشكل شبه كامل رغم أنها كانت تساهم بشكل كبير في الموازنة العامة، متوقعًا أن يعود القطاع تدريجيًا للعمل لكنه سيحتاج فترة أطول ليستعيد عافيته ويستأنف الإنتاج بصورة طبيعية.

إعلان

المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي قارن بين الوضع الصناعي قبل الحرب وأثناءها، مبينًا أن الصناعة كانت تمثل نحو 12% من الناتج المحلي وتوفر وظائف لـ15 إلى 20% من القوة العاملة، وكانت تتركز في الخرطوم والجزيرة وجنوب دارفور ، خاصة في الصناعات الغذائية والدوائية والمعدنية.

لكنه أكد أن الحرب "دمرت هذا التوزيع بالكامل"، لافتًا إلى أن أكثر من 40% من المنشآت الصناعية تعرضت لدمار كامل وانخفض الإنتاج إلى نصف مستوياته في 2022، كما توقفت الصناعات الدوائية بنسبة تجاوزت 60% وتراجعت الأغذية بسبب نقص الوقود والكهرباء، وأضاف أن "أي تعافٍ صناعي يتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا، وهو أمر لن يتحقق ما دامت الحرب مستمرة".

خسائر بمليارات الدولارات

أما رئيس اتحاد الغرف الصناعية معاوية البرير، فقد كشف أن القطاع الصناعي تكبد خسائر فادحة شملت تدمير ما يقارب 550 مصنعًا في الخرطوم وبحري وأم درمان، مقدرًا حجم الخسائر الخاصة بأكثر من 50 مليار دولار، تشمل المصانع والمعدات والمواد الخام.

وقال إن عودة بعض المصانع للإنتاج لا تعني تعافي القطاع كليًا، داعيًا إلى خطة واضحة لإعادة البناء وإصلاح ما دمرته الحرب باعتبار أن "القطاع الصناعي الخاص يشكل رافعة أساسية عبر توفير الوظائف وتعزيز الإنتاج المحلي".

مصدر الصورة عدد المنشآت الصناعية المتضررة في الخرطوم تجاوز ثلاثة آلاف منشأة (الجزيرة)

وفي مقابل الصورة القاتمة، تبرز مبادرات فردية تعكس الأمل بعودة تدريجية، إذ تحدث محمد الشيخ، صاحب مصنع للعطور في أم درمان، للجزيرة نت عن استعداده لإعادة تشغيل مصنعه قريبًا رغم خسارته التي قدرها بأكثر من مليون دولار نتيجة نهب الماكينات والمقتنيات، وأكد أن ارتفاع الدولار قد يقلل من تنافسية المنتجات المستوردة ويمنح دفعة للإنتاج المحلي، مضيفًا أن دعم الدولة وتطمينات وزارة الصناعة شجعته على المحاولة من جديد.

جهود حكومية وخيارات للتعافي

من جانبها، أوضحت وزيرة الصناعة والتجارة محاسن علي يعقوب أن الحرب أخرجت المناطق الصناعية في ولايات الخرطوم والجزيرة وجزء من سنار من دائرة الإنتاج، وأدت إلى تدمير ونهب واسع للمواد الخام والمنتجات، مشيرة إلى أن الخرطوم وحدها سجلت تضرر 3493 منشأة صناعية كبيرة ومتوسطة، في حين تضررت 125 منشأة كبيرة في ولاية الجزيرة، وأكدت أن الخسائر لم تتوقف عند البنية الصناعية بل طالت العمالة التي فقدت مصادر دخلها، وأشارت إلى أن الوزارة تسعى لسد الفجوات عبر الإنتاج في الولايات الآمنة.

وأضافت الوزيرة أن وزارتها تجري حصرًا شاملاً للمنشآت المتضررة بهدف إعداد قاعدة بيانات دقيقة ودراسة واقع المصانع وإمكانية إعادتها لدائرة الإنتاج، إلى جانب إنشاء نافذة موحدة لتبسيط الإجراءات وتسريع العودة إلى العمل.

وكانت الوزارة قد شكلت لجنة فنية في مايو/أيار الماضي لتحديد احتياجات المصانع المتضررة، وكشف تقريرها عن أضرار واسعة شملت سرقة الكوابل والمحولات الكهربائية وتضرر البنية التحتية بشكل عام.

وعلى الرغم من حجم الخسائر المليارية والدمار شبه الكامل لقطاعات حيوية، فإن الأمل يبقى قائمًا في أن تقود الجهود الحكومية والمبادرات الخاصة إلى تعافٍ تدريجي، إذ يبدو المشهد العام محكومًا بثنائية الخسائر الفادحة والتطلعات إلى استعادة العجلة الاقتصادية إذا ما تهيأت بيئة سياسية وأمنية أكثر استقرارًا.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار