تشهد الفترة الحالية تصاعداً في المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران بدأت أحداثها الجمعة، شملت تبادلاً للضربات الجوية والصاروخية بين الطرفين.
هذا التصعيد يثير تساؤلات جدية حول انعكاساته المحتملة على أمن الطاقة العالمي، بدءاً من تأثيره على إنتاج النفط والغاز ومسارات الإمداد، وصولاً إلى تقلبات الأسعار، والديناميكيات الجيوسياسية المعقدة.
والسبت ذكرت إيران أن حريقا اندلع في حقل بارس الجنوبي للغاز بمحافظة بوشهر (جنوب البلاد) إثر ضربة إسرائيلية للبنية التحتية للطاقة.
وقالت وكالة أنباء فارس، إن "الكيان الصهيوني استهدف منشآت حقل بارس الجنوبي للغاز في ميناء كنغان في محافظة بوشهر".
وفي وقت سابق نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن الجيش تهديده باستهداف قادة النظام الإيراني ومرافق البنية الأساسية، وعلى رأسها مصافي تكرير النفط، إذا أطلقت طهران صواريخ باليستية على تجمعات سكنية في إسرائيل.
يهدف هذا التقرير إلى تحليل تأثير المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران على إنتاج النفط والغاز ومسارات الإمداد، وأسعار الطاقة وتقلبات السوق، وتأثيرها على أمن الطاقة والديناميكيات الجيوسياسية.
تُقدّر الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في إيران بما يقارب 209 مليارات برميل حتى نهاية 2021، مما يجعلها ثالث أكبر دولة في العالم بعد فنزويلا والسعودية. وتبلغ حصة إيران من احتياطيات منظمة أوبك نحو 24% من احتياطيات النفط في الشرق الأوسط، و12% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.
وتحتل إيران المرتبة الثانية عالميًا بعد روسيا من حيث احتياط الغاز الطبيعي المثبت، بمقدار يقارب 1200 تريليون قدم مكعب أو نحو 34 تريليون متر مكعب. وتُشكل هذه الكمية نحو 17-18% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، ويمثل الغاز "غير المرافق" نسبة تقارب 67–81% من الاحتياطيات الكلية.
وبحسب وكالة أنباء إيرنا الرسمية، فإنه ورغم الضربات الإسرائيلية المكثفة؛ فلا تزال مواقع النفط والغاز في إيران تعمل دون انقطاع وبصورة مستقرة.
وقالت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط (نيوردك NIORDC) المملوكة للدولة، إن مصفاة "عبادان" وهي أكبر مصفاة نفط في إيران تعمل بكامل طاقتها التشغيلية البالغة 700 ألف برميل يوميًا.
سجّلت أسعار النفط ارتفاعًا بما يتراوح بين 8 و10% الجمعة، وسط مخاوف من انقطاع الإمدادات، بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي على إيران. فإيران تُعد منتجا رئيسيا للنفط والغاز، وأي استهداف مباشر لمنشآتها النفطية والغازية، مثل حقول الإنتاج أو مصافي التكرير، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الإمدادات العالمية.
وبعد استهداف إسرائيل حقل "بارس" ترتفع حالة عدم اليقين في الأسواق. وهنا يثار التساؤل عن إمكانية ارتفاع أسعار برميل النفط حاجز 100 دولار، إذا ما تعرضت احتياطيات إيران لضربات مباشرة، ويجيب عن ذلك خبير اقتصادات الطاقة مستشار تحرير منصة الطاقة، الدكتور أنس الحجي، في تقرير منشور على المنصة، والذي استبعد سيناريو بلوغ أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل.
وأكد الحجي، أنه من المتوقع تراجع أسعار النفط قريبًا، إذ لم تطرأ تغييرات على أساسيات السوق، في ظل وفرة المعروض وتسجيل مخزونات الخام الصينية مستوى قياسيًا -هو الأعلى حتى الآن- ويمكن إطلاقها خلال ساعات.
وبحسب منصة الطاقة، إلى جانب الإمدادات الصينية، تعيد 8 دول من تحالف أوبك بلاس ضخ 411 ألف برميل يوميًا إلى السوق خلال شهر يوليو/تموز المقبل.
ورجّح الحجي، أن تزيد دول مثل السعودية والإمارات من إنتاجها، في ظل التغيرات الجيوسياسية، وأضاف أنه حتى إذا فقدت السوق كامل الصادرات الإيرانية المقدرة بنحو 1.7 مليون برميل يوميًا، فمن الصعب بلوغ أسعار النفط مستوى 100 دولار للبرميل.
تهدد إيران في حال تعرضها لضغوط دولية شديدة إلى إغلاق مضيق هرمز في الخليج العربي، وفعلياً قامت إيران بإيقاف حركة شحن النفط في المضيق في فترة حرب الخليج الأولى بين عامي 1980-1988، في ما عرف حينها "بحرب الناقلات".
وثمة مخاوف الآن من دخول مضيق هرمز إلى دائرة الصراع بما يعرقل حركة شحن النفط والغاز الطبيعي من دول الخليج العربي إلى الأسواق الدولية.
ويمر عبر المضيق يومياً 20 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات والمنتجات المكررة، بجانب 11 مليار قدم مكعبة من الغاز المسال، حيث يُعَد المضيق ممرًا رئيسًا لصادرات الغاز المسال القطري والإماراتي إلى الصين، طبقًا لبيانات أوردها موقع إس بي غلوبال.
وبحسب منصة الطاقة، تذهب غالبية صادرات الغاز إلى الصين، والتي استوردت 18.35 مليون طن من الدوحة العام الماضي، إضافة إلى توقيع 10 عقود توريد طويلة الأجل بين البلدين بأحجام تصل إلى 26.9 مليون طن.
وانطلاقاً من ذلك، قد تؤدي تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال، خاصة في سيناريو تعطل الإمدادات من مضيق هرمز، وسيكون المتأثر الأبرز دول شرق آسيا مباشرة، خاصة الهند واليابان وكوريا الجنوبية والصين .
وبعكس العديد من الخبراء، أشار الحجي إلى صعوبة إغلاق إيران حركة المضيق وحركة الشحن البحري، مرجعًا ذلك إلى أسباب عدة؛ منها:
أعلنت إسرائيل عن إغلاق حقول الغاز الواقعة في البحر المتوسط، لا سيما حقل ليفياثان، الذي ينتج 40% من إنتاج الغاز في إسرائيل. كما قررت شركة إنرجيان تعليق إنتاج الغاز من حقل كاريش، وعلّقت شركة شيفرون العمل في حقل ليفياثان.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل ليفياثان 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل تمار 1.1 مليار قدم مكعب يوميًا، ويزود كلا الحقلين مصر بالغاز.
يبدو أن إسرائيل تخشى أن تصل الصواريخ الإيرانية إلى عمق احتياطيات الغاز، والتي تشكل أحد المصادر الرئيسية لدخل الدولة.
وبحسب تقرير منشور على موقع "فورين أفّيرز" يشير إلى رغم محدودية خيارات إيران العسكرية، إلا أن ضربها مؤسسات طاقة إسرائيلية، بما في ذلك حقول الغاز والبُنية التحتية للطاقة، سيكون محاولة مجدية لردع الهجمات اللاحقة.
وعلى إثر توقف عمل حقول الغاز الإسرائيلية، توقف ضخ الغاز إلى مصر والأردن في 13 يونيو/حزيران 2025، وتوقع خبراء أن يحدث قرار وقف التصدير إلى اختلال واردات مصر التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي في إنتاج الكهرباء.
وبحسب عدة مصادر إعلامية، نقلت عن مسؤولين، أن مصر تستورد يومياً بما يقارب مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي يومياً.
تتجاوز انعكاسات المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران مجرد تقلبات في أسعار النفط والغاز، لتمتد إلى تهديد أمن الطاقة العالمي والمخاطر المحتملة لا تقتصر على تعطيل الإمدادات المباشرة، بل تشمل أيضاً زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتأثيرات طويلة الأمد على مستقبل الطاقة والاقتصاد العالمي، نلخصها:
عموما، فإن المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، حتى لو لم تؤدِ إلى تعطيل كبير في الإنتاج حتى الآن، فإنها تخلق بيئة من المخاطر الجيوسياسية التي تؤثر مباشرة على أسعار الطاقة وتقلبات السوق. ويعتمد مدى تأثير هذه المواجهة على أسعار الطاقة بشكل كبير على مدى تصاعد الصراع وما إذا كان سيشمل استهدافاً مباشراً لمنشآت الإنتاج أو تعطيل الممرات المائية الحيوية.